الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

حكايات الولاد والأرض.. مصطفى عطايا.. الطبيب الشهيد

مصطفى عطايا
مصطفى عطايا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كان الجنود دائمى التردد بالزيارة على قرية المنشأة الصغيرة بمركز كفر شكر بالقليوبية وتلك مسافة عظيمة الجهد من سيناء ومن شمالها تحديدا إلى تلك القرية السعيدة بحظها من الشرف الذى نالها بسبب استشهاد أحد أبنائها بسيناء، وفى ذات مرة حكى أحد الجنود فى أثناء زيارته لوالدة قائده الذى استشهد وهو ينقذ زميلا له: » كان الدكتور مصطفى يا أمى يقول لنا: لو كل واحد خاف على نفسه من الموت مين يحمى سيناء، ومين يجيب حق الشهداء، على كدة نلبس طرح ونبكى زى الولايا.. تعرفى يا أمى كل واحد فينا فى الوحدة وفى الكمائن مديون للشهيد بحياته».
وتتساءل الأم البطلة:«إزاى يا ابنى، مصطفى ما كلمنيش على ديون لا ليه ولا عليه».. فيقول الجندى حسين: «يا أمى ما فيش مداهمة نطلع فيها إلا وكان النقيب مصطفى معانا يعالج المصاب ويحمله على كتفه مثل الأسد، بس عمرنا ما شوفنا أسد فى قوة وصبر الشهيد وكمان فى عطفه وحنيته على الأبطال المصابين».
يبكى المجند وتبكى الأم إلى أن تأتى أخت البطل، وتطمئن الأم والمجند أن مصطفى قال لها: «ومن أحيا نفس كمن أحيا الناس جميعا» ما تبكوش على الشهيد، البطل ده أحيا نفوس كثيرة فى سيناء، أكيد ربنا هيجازيه خير عن عمله، وكفاية إنه نال الشهادة زى ما كان بيحلم بيها.
ومن هنا تبدأ الأخت حكايتها عن شقيقها وسندها الذى رحل، تردد دائما أنا أخت الشهيد البطل النقيب احتياط طبيب مصطفى عطايا:» فرأت على صفحته فى الفيسبوك كتب أخى مصطفى قبل استشهاده بسنتين، وتحديدا فى السادس من نوفمبر ٢٠١٤: (وخلص اليوم فى الهايكستب أخيرا، وأترشحت ضابط احتياط، عقبال ما اتوزع فى رفح، طبعا لسه كلام ومشاوير وكشوفات بس ربنا ييسر ويكتب لنا الخير)، وربما كان لا يعلم حجم الخير الذى ادخره القدر له، وربما لم يكن يعلم أنه سيكون من شهداء سيناء، إنما ما أعلمه من البحث فى رسائله عبر مواقع التواصل ومذكراته التى احتفظت بها هو هذا الطبيب المتفوق دراسيا منذ الابتدائية حتى تخرجه طبيبا من جامعة بنها، كان له حلم واحد وهو أن يخدم بلده ويجود فى سبيل ذلك بأغلى ما يملكه، حتى أن مصطفى كان محتفظًا بكتاب سلاح التلميذ، وهو موجود أيضًا فى متعلقاته الشخصية من أجل قسم التلميذ الذى كان مكتوبًا عليه بالغلاف الأخير، وفى مذكرات له دونها وهو طالب بكلية الضباط الاحتياط تكشف رغبته بالاستشهاد فى سبيل أرضه وأهله، ورسائله التى كان يكتبها لصديقه الشهيد أحمد فؤاد شعبان بعد استشهاده وكأنه مازال على علاقته به فى تواصل مستمر رغم استشهاد صديقه، ومذكرات له تحدث فيها عن سيناء وما رأه من استبسال الضباط والجنود».
وتعود من البداية الأخت وهى له الأم الصغرى والصديقة كاتمة أسراره لتحكى عن شهيدها السند: «مع بداية فجر يوم التاسع عشر من شهر أكتوبر لعام ١٩٨٨، ولد الشهيد نقيب طبيب احتياط مصطفى عطايا عبد الصبور بقرية المنشأة الصغرى التابعة لمركز كفر شكر بمحافظة القليوبية، ومنذ نعومة أظافره كان عاشقًا للجيش المصرى، شغوفًا بالقراءة عنه وعن تضحيات أبنائه، فخورًا بانتصاراته، متمنيًا الشهادة فى سبيل الله، والجود بنفسه فى سبيل حماية وطنه وشعبه وأراضيه، مقتديًا بكل مقاتل مصرى ضحى بحياته منذ بداية تاريخ الجيش المصرى وحتى حرب النصر فى عام ١٩٧٣ التى قرأ وسمع عنها الكثير والكثير، حتى أثَّرت هذه التضحيات فى بناء شخصيته وتشكيل وجدانه، أمضى طفولته وحياته فى مدينة كفر شكر والتحق بمدارسها فى كل مراحل تعليمه وكان متفوقًا فى دراسته كما كان الطالب المثالى، ثم التحق بكلية الطب جامعة بنها وأيضًا كان متفوقًا فى دراسته محبًا لمهنة الطب لشعوره بأنها مهنة إنسانية تخدم الإنسان فى المقام الأول، وكان حلمه أن يصبح جراحًا عالميًا، وأتم دراسته وحصل على تقدير عام جيد جدًا فى قسم الجراحة تم تعيينه نائبًا للجراحة فى مستشفى بنها التعليمى، حلم كثيرًا أن يقوم ببناء مستوصف يعالج الفقراء وينفق عليه من عمله كطبيب، حدثت نقطة فارقة فى تاريخ مصر الحديث غيرت كل أحلام الطبيب الواعد عندما اندلعت ثورة يناير ٢٠١١ وعلى إثر ذلك بفترة بدأت الهجمات من الجماعات التكفيرية وأعداء الوطن فى الهجوم على الضباط والجنود فى سيناء مما أدى إلى استشهاد أعداد كبيرة من رجال الوطن المخلصين.
هنا تغيرت كل أحلامه فقد أصبح مُصرًا على الاستشهاد فى سبيل الله وفى سبيل حماية ومصر وشعبها وأراضيها وردد كثيرًا: «مصر تستاهل مننا إننا نضحى بأرواحنا فداها، وناسها الطيبين يستأهلوا نأخذ الرصاص بدلًا منهم ».
وفى مارس عام ٢٠١٣ أثناء انتهائه من إجراءات تجنيده والتحاقه بالخدمة العسكرية جاءه خبر استشهاد صديق دربه وطفولته وشبابه الشهيد الرائد أحمد فؤاد شعبان وكان من خيرة رجال هذا الوطن الأبى شجاعًا جسورًا لا يهاب الموت فى سبيل الله وفى سبيل وطنه، وما زاده هذا الحادث إلا إصرارًا على طلب الشهادة، التحق بالجيش المصرى كضابط احتياط، وأثناء تواجده فى كلية الضباط الاحتياط تقدم بطلب للخدمة فى سيناء، وألح على قادته أثناء فترة التحاقه بكلية الضباط الاحتياط لمساعدته للخدمة فى سيناء واللحاق بالركب الصالح، وكان يقول لأسرته:» صحيح أنا طبيب لكن ليه أنا إيدى لا تكون بأيدهم، كونوا مؤمنين بالله لو لى نصيب أموت بعبوة ناسفة فى سيناء هموت بها ولى نصيب أموت بعبوة ناسفة وأنا أخدم بإحدى المستشفيات العسكرية هموت بها، ولو كل أسرة قالت لابنها لا تذهب إلى سيناء، سينا نقفلها ولا نسيبها لمين ولا نقعد كلنا ونلبس طُرح».
انتقل الطبيب مصطفى عطايا للخدمة العسكرية فى كرم القواديس بالعريش بعد إتمام تدريبه على أكمل وجه عسكريًا وطبيًا، وبدأ العمل كطبيب احتياط بالجيش المصرى العظيم، ومنذ أن وطأت قدماه أرض سيناء متجهًا إلى وحدته تعرض للإصابة فى انفجار أصاب المركبة التى كان يستقلها فتعرض لإصابات بالغة انتقل على إثرها إلى المستشفى العسكرى لتلقى العلاج، ولكنه فاجأ الجميع بعد ثلاثة أيام من إصابته وبعد شفائه بالنزول إلى العمل ومعالجة المصابين فى أحد الكمائن، ولم تكن الإصابة الوحيدة التى تعرض لها فقد أصيب أكثر من مرة وكان يكمل عمله ببسالة كأن شيئًا لم يكن ولم يُعلم أسرته بهذه الإصابات وكان يطمئن والدته دائمًا ويقول لها ماتخافيش يا أمى أنا فى وحدتى مش بخرج أنا فى وحدتى وهى مؤمنة حتى أنهم لم يكونوا على علم بأنه يخدم فى كرم القواديس تحديدًا، وشدد على كل زملائه ألا يخبروا والده بأنه يخدم فى كرم القواديس لحالته الصحية الحرجة فقد كان وبشهادة قادته كان شجاعًا مقدامًا لا يهاب الموت، ودأب على إنقاذ أرواح الضباط والجنود فى مكان إصابتهم أثناء المداهمات الأمنية للأوكار الإرهابية للعناصر التكفيرية، وفى الكمائن التى يتم استهدافها من هؤلاء.