رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تغيّر المناخ وتأثيره على الفكر الاستراتيجي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شد انتباهي وأنا أبحث مؤخرا في الدوائر العلمية المتخصصة عن أحدث إصداراتها لفهم تغيرات المناخ وتأثيراتها على السياسات العامة في دول العالم ما وجدته من اتجاهات لدى عدد من الدوائر الاستراتيجية ومراكز القرار لتعديل وإضافة مهمّات وأفراد ومعدات لعمل الجيوش، خاصة في ضوء الطلبات المتزايدة للمساعدات العسكرية في أعقاب الظواهر الطبيعية الشديدة والحرائق الزلازل وذوبان الجليد وهو ما أضاف ضغطًا على أدوارها التقليدية. وتشير بعض الدراسات الأكاديمية في هذا الخصوص إلى إمكانية أن يؤدي تغير المناخ وما يشهده العالم من تغير مفاجيء في درجات الحرارة من البرد القارس والعواصف إلى سخونة الطقس بشكل غير محتمل إلى إضافة قسم مستقل في نظام وهيكل الجيش يختص بهذه الجوانب المناخية، وبالتحديد الكوارث المناخية وكيفية إدارتها بشكل علمي وتقني متطور. 

وتقترح بعض المناقشات الداخلية في الدوائر الاسترتيجية والأمنية إجراء تعديل في تعريف "الأمن القومي" الذي يعد الحفاظ عليه العمل الرئيسي لأي جيش بحيث تضم مهمات الجيش في الحماية من الظواهر المناخية والتدخل عند الضرورة للإنقاذ والإجلاء.

وتذكر إحدى الدراسات أن أهمية التعديل في تعريف الأمن القومي وضم أدوار جديدة للجيوش يعطي الحق القانوني لقياداتها في الحصول على ميزانيات إضافية تمكنها من القيام بتدريب عناصر متخصصة وتأهيلها على أكفأ وجه ليسند لها العمل في مجال إدارة تغيرات المناخ كما تكفل الميزانية الجديدة التوسع في شراء المعدات والقيام بالأبحاث العلمية المتطورة التي من شأنها خدمة هذه الأغراض. 

ويبدو أن هذا الاتجاه في التفكير الاستراتيجي لتطوير قدرات الجيوش للتصدي لقضايا المناخ ليست جديدة بل بدأت منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث انطلقت عدة مراكز أبحاث، غربية وعربية أيضا، في بلورة رؤية شاملة في كيفية تطوير تلك القدرات للتكيّف مع تلك المستجدات. وكان ذلك دافعا، على سبيل المثال، لتشكيل فرقة عمل ضمن القوات البحرية الأمريكية معنية بتغير المناخ. ومن المرجح في ضوء الحاجة الملحة حاليا للتوسع في هذا الدور أن يتم إنشاء قسم مستقل قادر على أداء هذه المهام العديدة والمتنوعة تماشيا مع تغير مناخ الأرض والظواهر الطبيعية التي لم تعد استثنائية. 

ويذكر الأدميرال المتقاعد بالبحرية الأمريكية، ديف تيتلي، في إحدى مساهماته الفكرية حول كيفية تطوير الاستعدادات للتصدي لهذه المستجدات أن "تغير المناخ سيغير المهام التي يُطلب من القوات المسلحة القيام بها". وخلال حياته المهنية في البحرية الأمريكية، شارك تيتلي بشكل كبير في الجهود البحثية المنصبّة على رصد التغير المناخي في القطب الشمالي، مع التركيز بشكل خاص على ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الجليد. وقد ذكر في شهادته عن تغير المناخ وانعكاساته على دور الجيوش أنه أدرك خلال مهمته في القطب الشمالي أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي من المحتمل أن يفتح طرقًا تجارية لم يسبق لها مثيل مما دفع البحرية أيضا للتفكير في تطويرمعداتها وسفنها لتناسب ذلك المكان وتعمل بفاعلية هناك.

ولعل ما دفع عجلة التطوير على وجه السرعة في هذا الاتجاه أن روسيا تمتلك بالفعل قدرًا هائلًا من السواحل في مياه القطب الشمالي، مما يجعل هذا السيناريو المستقبلي مهيئًا لصراع إضافي. ويشدد تيتلي على أن زيادة درجات الحرارة وتداعيات تقلب المناخ قد تؤدي إلى زيادة الضغوط على خلفية المواقف المتوترة بالفعل. وقال تيتلي: "بينما لم يكن متوقعا أن يتسبب تغير المناخ في الصراع بشكل مباشر بين قوى عظمى إلا أنه أصبح بالفعل سببا لزيادة الأمورسوءً". 

وقد ربطت بعض الأبحاث أيضًا ارتفاع درجات حرارة المحيطات وزيادة تواتر العواصف المدمرة التي تعرضت لها بعض المناطق خلال العقدين الماضيين بإلحاق أضرار جسيمة ببعض القواعد العسكرية، سواء الأمريكية أو الروسية، التي تعتبر حيوية للتدريب والتأكد من جاهزية القوات للقيام بمهامها بكفاءة. لذلك ترى تلك الأبحاث ضرورة ملحة حاليا لإنشاء "سلاح" متخصص في شئون تغير المناخ داخل جيوش دول العالم، مثله مثل سلاح البحرية وسلاح الجو وغيرها من قوات الجيوش المتخصصة. 

كل هذا يعني أن الولايات المتحدة ستحتاج على الأرجح إلى إعادة التفكير في كيفية استخدام الموارد العسكرية من أجل التخطيط للتأثيراتالمستقبلية لتغير المناخ. وكخطوة متقدمة في عام 2021، قدم عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير كريس كونز "قانون هيئة المناخ المدني" الذي من شأنه أن ينشئ فرعًا عسكريًا خاصًا مخصصًا للمهام المتعلقة بتغير المناخ.