المؤرخ عبدالرحمن الرافعي: الملك والحكومة ضربوا بالدستور عرض الحائط
أحمد شفيق باشا: موسوليني الديكتاتور لم يجرؤ على حل الرلمان كما فعلوا
انقضى عام 1924 على مصر بالعديد من الحوادث الشؤم التي جرت على البلاد، وكما يقول أحمد شفيق باشا في الجزء الثاني من كتابه حوليات مصر السياسية أن ما حدث هذا العام جعل البلاد تئن تحت نيرها وهي في ضعفها أمام خصمها القوي – في إشارة منه إلى بريطانيا - الذي استغل تلك الأحداث لفرض سيرطته على الدولة.
ويقول شفيق باشا، إن قرار الملك فؤاد الأول بحل البرلمان في أواخر 1924 صدر معه قرار دعوة الناخبين لإجراء انتخابات جديدة للنواب يوم 24 فبراير 1925 على أن تعقد أولى جلسات المجلس يوم 6 مارس من نفس العام، على أن تجرى الانتخابات الجديدة وفقًا لنصوص قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923، ورقم 4 لسنة 1924، وتنص المادة 3 من القانون رقم 4 لسنة 1924 على أن القانون يبدأ نفاذه في الانتخابات المقبلة سواء كانت عامة أو جزئية أو تكميلية عند الانتهاء من تحضير الكشوف الانتخابية وفقًا لنص القانون.. ولما كانت الكشوف الانتخابية لم يتم تحضيرها وتقسيم الدوائر لم يتم إلا في بعض الجهات، فإنه لا يمكن إجراء الانتخابات إلا بالقانون رقم 11 لسنة 1923، فيمت عدا نصوص معينة في القانون رقم 4 لا علاقة لها بتحضير الكشوف الانتخابية الجديدة، وكذلك ضرورة تجديد كشوف مندوبين الناخبين.
فيما وصف الكاتب أن حل برلمان 1924 خطوة لم يقدم عليها ديكتاتور بريطانيا موسوليني، متسائلًا عن السبب الذي استندت إليه الحكومة في حل البرلمان قبل مواجهة المجلس نفسه مواجهة قانونية، وموضحًا أن الحكومة أخذت بالعمل بالقانونيين في الانتخابات وعملت بما يتوافق مع هواها وليس بالنظام الدستوري، موضحًا أن ما تم يمثل انتهاكًا دستوريًا ومخالف للدستور، وأن كل ما تم كان للتضييق على أنصار سعد زغلول.
ويقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في الجزء الأول من كتابه في أعقاب الثورة المصرية 1919، أن الأحزاب احتجت على قانون الانتخابات الجديد وما حواه من تضييق على الوفديين، وأعلن الحزب الوطني رفضه قانون الانتخابات الجديد وبطلانه ونادى بعدم جواز العمل به، بينما لجأت الحكومة إلى محاكمة كل من يمتنع عن تنفيذ القانون من العمد والمشايخ، كما تألفت في يناير 1926 لجنة تنفيذية للأحزاب واتفق جميع المشاركون على مقاطعة الانتخابات وعقد مؤتمر وطني.
ووسط الضغط الشعبي والحزبي قرر مجلس الوزراء بتاريخ 18 فبراير 1926 إلى إيقاف العمل بقانون الانتخابات الجديد وإجراء تعديلات على أن يتم إجراء انتخابات بمقتضى القانون رقم 4 لسنة 1924.
ومن ضمن الإجراءات التي قامت بها الحكومة وفقًا لشفيق باشا أنها قامت بتعديل 106 دوائر انتخابية من أصل 214 دائرة انتخابية في الأوقات الأخيرة قبل المعركة الانتخابية، وذلك بعدما رأت أن حزب الوفد نظم حركته الانتخابية، بينما جعلت الكشف المدرج به اسم الناخب سعد زغلول يجمع أسماء ناخبين من 6 شوارع، ولم تقم بإدراج أسماء الناخبين المقيمين في بيت سعد نفسه ومنهم خمسة خدم، ووصف الكاتب أن ما حدث يعد أغرب الوقائع في كشوف الانتخابات المصرية.
بعد هذه التعديلات التي طرأت على قانون الانتخابات، تم تحديد موعد 12 مارس 1925 لإجراء الانتخابات النيابية بمجلس النواب، ووسط هذه الأحداث كان التضييق يزيد على سعد وأنصاره من الحكومة والصحف الأجنبية التي تهاجمه في كل واقعة، ووصل الأمر إلى محاصرة بيته لمنع وصول مؤيديه إليه من أجل دعمه، فضلًا عن اتهامات الأحزاب المعارضة مثل الأحرار الدستوريين الذي كان يمثل النظام.
اشتدت المعركة الانتخابية كما يقول شفيق باشا في الباب الثالث من الجزء الثاني من كتابه، وجاء يوم 12 مارس الذي وصفه بأنه كان يومًا مشهودًا أظهرت فيه الأمة المصرية رغبتها وإرادتها، منوهًا أن العدل والإنصاف ساد الانتخابات، على الرغم ما قيل، وكان الناس محتشدين في الشوارع انتظارًا لنتيجة الانتخابات، بينما يتسابق كل حزب ليعلن فوزه بالأغلبية، وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا بفوز الأحزاب غير الوفدية بالحكومة وأن مجموع من انتخبوا من الوفديين 101 عضو من أصل 226 عضوًا للمجلس، وهو ما يعني استمرار الحكومة.
وتابع الكاتب، أنه في اليوم التالي تبين للجميع أن الوفد فاز بعدد 111 مقعد، بينما لم يتبقى سوى 16 دائرة لم تظهر نتيجتها بعد، بينما فاز الأحرار الدستوريين بـ 37 مقعد، والحزب الوطني 6 مقاعد، وبعد تلك النتيجة تحتم على وزارة زيور باشا تقديم استقالتها في 13 مارس، فيما أعلن الوفديون أن عدد مقاعدهم 116 مقعدًا.. وقام الملك بعدها بتكليف زيور باشا مجددًا بتشكيل الحكومة، وهو ما اعترض عليه سعد باشا زغلول وأعضاء الأكثرية بمجلس النواب.
ويذكر الكاتب أن مجلس النواب افتتح دورته البرلمانية الجديدة في 23 مارس 1925، واصطفت فرق الجيش من سراى عابدين إلى شارع كوبرى قصر النيل فشارع المبتديان، ووقفت الموسيقى أمام سور القصر تعزف بأنغامها، وفى الموعد المحدد خرج الموكب الملكى من القصر، وسار بين الجنود كالمعتاد، ولوحظ أن الهتاف كان لجلالة الملك فؤاد، ولسعد زغلول باشا، مع أن أحمد زيور باشا هو الذى كان يصحب الملك فى عربته.
ووفقًا لشفيق باشا فإن النواب تواجدوا بالمجلس من الثامنة صباحًا، بينما وصل سعد باشا زغلول في التاسعة والنصف تمامًا، ووصل الملك إلى قاعة المجلس وسط تحية الجنود والعزف الموسيقي، وترأس الجلسة أحمد مظلوم باشا رئيس مجلس الشيوخ وأكبر النواب سنًا، وبعد تلاوة خطاب العرش انصرف الملك وانصرف سعد باشا بعد ذلك.
ومن جانبه يقول المؤرخ الرافعي أن الجلسة بدأت في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وبدأ انتخاب رئيس المجلس بطريقة التصويت السري وكان التنافس بين سعد زغلول وعبدالخالق ثروت، فحصل سعد على 123 صوت وحصل ثروت على 85 صوتًا، فظهرت الأغلبية الوفدية التي حاولت الحكومة تكذيبها، وصدمت هذه النتيجة الحكومة، وتأجل اجتماع المجلس إلى الساعة الخامسة مساءً، لانتخاب الوكيلين والسكرتيرين والمراقبين – أعضاء مكتب المجلس -.
وتابع الرافعي أن الحكومة أعدت استقالتها، ولكن كان واضحًا أن الاستقالة صورية، وألا يقبل الملك الاستقالة، موضحًا أن المجلس بدأ في متابعة أعماله عند الساعة الخامسة، وترأس الجلسة سعد باشا، وأسفرت انتخابات الوكيلين عن فوز علي الشمسي باشا والأستاذ ويصا واصف، وفاز الدكتور أحمد ماهر والأستاذ علي حسين ومحمد عبداللطيف سعودي وراغب فودة بالسكرتيرين، واستكمل المجلس انتخاب المراقبين وفي أثناء وضع أوراق الانتخاب في الصندوق استأذن سعد باشا في الانصراف بعد وضع ورقته، فترأس الجلسة علي الشمسي الفائز بمقعد الوكيل.
وفيما كانت الأوراق تفرز دخل زيور باشا إلى القاعة ومعه الوزراء، وخاطب الأعضاء: "أتشرف بإخبار المجلس أن الوزارة رفعت استقالتها على الملك فأبى قبولها، فأشارت على جلالته بحل المجلس فأصدر المرسوم التالي وتلاه وهو يقضي بحل المجلس ودعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في 23 مايو 1925 وأن مجلس النواب الجديد سيجتمع أول يونيه.
وأوضح الرافعي أن تلاوة مرسوم الحل كانت فى الساعة الثامنة مساءً، بما يعنى أن المجلس الجديد لم يدم أكثر من تسع ساعات، لأنه انعقد فى الحادية عشرة صباحًا وانتهى فى الثامنة مساء نفس اليوم، وأنه كان اقصر المجالس النيابية عمرًا.
يقول المؤرخ الرافعى: إن قرار حل المجلس الجديد قوبل بالدهشة والألم، لأنه كان مفهومًا أن يبقى، وأن تستقيل الوزارة، وكان هناك طرائق كثيرة لمعالجة هذه الأزمة، بأن تؤلف وزارة جديدة من حزب الأغلبية أو موالية لها، وتنال ثقة المجلس وتسير الأمور طبقًا لأحكام الدستور، ولكن العناد الذى يشبه عناد الأطفال جعل الوزارة باتفاقها مع السراى والإنجليز تستصدر المرسوم بحل مجلس النواب، منتهكة بذلك حرمة الدستور وإرادة الأمة.