على مائدة «البوابة» الثقافية خلال شهر رمضان، مثقفون وأدباء يتحدثون عن البدايات وكيف تكونت شخصية المثقف، ومدى تأثرهم بالأدب العربى والعالمى، ذكريات وطقوس المثقفين خلال الشهر المبارك، الدراما ومسلسلات رمضان من وجهة نظر المثقفين، ونصائح للجيل الجديد والشباب.. حوارات يومية على مدار الشهر. موعدنا اليوم مع حوار جديد من حوارات رمضان الثقافية مع الشاعر عماد غزالى، وإليكم نص الحوار:
■ حدثنا عن ذكرياتك فى رمضان؟
- فى الطفولة أذكر جيدا خدعة لطيفة تعرضت لها، وهى أن والديّ أوهمانى أن الصوم هو الامتناع عن الطعام فقط، وذلك كى أبدأ التدرب على الصيام فى سن مبكرة، وكنت سعيدا جدا بذلك، حتى كبرت قليلا وأصبح عليهما إخبارى بالحقيقة، وأن أبدأ الصوم الحقيقى، عندها أصبت بصدمة حقيقية، وقضيت عدة سنوات وأنا أحلم بالعودة إلى النموذج الأول للصوم الذى عرفته. كنت مولعا بلعب كرة القدم، نلعب أنا وأصدقاء الطفولة بعد الفجر فنظل نعانى العطش طوال اليوم، أو نلعب بعد العصر وحتى المغرب، فنفطر على الكثير من الماء ونعجز عن تناول الطعام إلا بعد وقت طويل من مدفع الإفطار.
■ القراءة الأولى قصص المغامرات والروايات المترجمة.
- كنت قد بدأت القراءة الحرة فى سن الحادية عشرة تقريبا، بدأت بقراءة قصص المغامرات والروايات المترجمة التى علمت بعد ذلك أنها كانت مختصرة أو مبسطة، ثم توسعت قراءاتى فشملت بعض الكتب الفكرية ودواوين الشعر بالإضافة إلى الرواية، وكنت أجد نفسى متجها فى رمضان إلى قراءة بعض الكتابات الدينية مثل مؤلفات العقاد، والتى نهلت منها كثيرا فى المرحلة الإعدادية، بالإضافة إلى الانتهاء من قراءة القرآن كاملا خلال الشهر، أى قراءة جزء كامل يوميا، كنت من أواخر الأجيال التى التحقت بكتاتيب تحفيظ القرآن قبل سن المدرسة الابتدائية، فحفظت عدة أجزاء وكنت أرتل وأحاول التجويد، ويستضيفنى أصدقاء الطفولة فى منازلهم لقراءة القرآن كلون من التبرك، فظل الحنين يسكننى لبراءة تلك المرحلة، وفى المرحلة الثانوية قرأت بعضا من كتابات طه حسين، فندمت أولا على أننى لم أقرأه بجوار العقاد أو حتى بدلا منه، واكتشفت ثانيا أن التاريخ الإسلامى المبكر خصوصا فى الفتنة الكبرى، يحتوى على صراعات عنيفة أخذت تهدم تدريجيا تلك الصورة النمطية النموذجية التى قدمتها لى مؤلفات العقاد، ودخلت ذلك المنعطف الذى كان من الضرورى معه أن أتخلى عن قداسة الصورة الأولى المعلبة حول شخصيات الصحابة وحركة الإسلام من مجرد الدعوة إلى التوحيد والقيم الإنسانية العليا إلى صورة الدولة ثم الإمبراطورية.
■ وماذا عن طقوسك فى رمضان؟
- ما زلت إلى الآن أحرص على العودة إلى القرآن فى رمضان، لكننى ومنذ سنوات أعجز عن قراءته كاملا خلال هذا الشهر، كما أننى أحاول التخلص من حالة الترتيل والانزياح مع الموسيقى الداخلية للنص وصولا إلى نوع من القراءة التأملية المتعمقة، أنجح فى ذلك أحيانا، لكننى أفشل كثيرا، لكن إجمالا يصعب أن تُذكر أمامى آية دون أن أتمها من الذاكرة، ويصعب ألا أكتشف أى خطأ فى قراءة آية من المحيطين بى. وعلى الرغم من ذلك، فكلما قرأت فى الكتاب أجد نفسى أمام آية أو بعض آية وكأننى أكتشفها للمرة الأولى، حتى أصبح ذلك الاكتشاف هدفا لى فى كل قراءة جديدة. وفى السنوات الأخيرة أصبحت أبحث عن الكتابات التى تحاول صياغة رؤية جديدة للنص القرآنى، وغالبا أضمها لقراءاتى خلال ذلك الشهر.
■ مارأيك فى الدراما الرمضانية؟
-أصبح من اللافت ابتعادها تدريجيا عن الأجواء الدينية والتاريخية وانغماسها فى الموضوعات الاجتماعية بتنويعاتها، كنا فى حقبة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى نستمتع بالدراما التاريخية والدينية، وأذكر هنا تفوق الدراما السورية فى ذلك اللون، والجهد البحثى والفكرى وراء النص المكتوب، بينما تميزت الدراما المصرية التاريخية بالخيال والتصرف فى الحدث التاريخى، لكنها كانت غير بعيدة عن النمط الذهنى المسيطر والذى يطرح حالة نموذجية لا تشوبها شائبة، لكنها بعيدة عن الواقع التاريخى كما يرد فى المراجع المختلفة. لذا فقد تعلقت بالدراما السورية فى فترة من الفترات. كما يبدو لى فى الدراما الاجتماعية المصرية واللبنانية المطروحة الآن التركيز على شرائح من المجتمع لا تعبر عن واقع الغالبية العظمى من الناس، لذا فهى دراما مخدرة على الأغلب تهدف إلى الإبهار والتسلية وإهدار الوقت.
■ كيف كانت مرحلة تكوينك الأدبي؟
- فيما يخص الشعر، كانت الأصوات الرومانسية فى منتصف القرن العشرين لها الحضور الأول، خصوصا إبراهيم ناجى ومحمود حسن إسماعيل وعلى محمود طه، تبعها أصوات جيل الريادة فى حركة الشعر الحر: صلاح عبدالصبور وحجازى وأمل دنقل ومطر ثم محمود درويش وغيرهم، وأعود أحيانا إلى أحمد شوقى ومرحلته متأملا نتاج حركة الإحياء الشعرى ومحاولا قراءته فى سياقه التاريخى، وكل تلك القراءات فى مرحلة التكوين كانت متزامنة مع قراءة التراث الشعرى القديم قبل الإسلام – والذى يسمى ظلما بالجاهلي- وبعد الإسلام خصوصا نتاج القرنين الثالث والرابع الهجريين حيث المعرى والمتنبى وأبى نواس وابن الرومى، وكثير من الأصوات غير الذائعة التى أحرص على اكتشافها من بطون المنتخبات الشعرية. ويجب أن أذكر اهتمامى بالشعر المترجم وانجذابى لبعض الأصوات مثل إليوت وجاك بريفير وكفافيس ورامبو ولامارتين وغيرهم. وفى الوقت الحالى أحرص على متابعة النتاج الشعرى المنشور عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل وعلى رأسها الفيسبوك، وذلك بعد تراجع وتهميش دور الدوريات الأدبية التى نشأنا على متابعتها والنشر فيها، ومن هنا أجد من المهم توضيح أن المتابعة لتلك المواقع والوسائط لا تغنى أبدا أى شاعر جديد عن الدواوين المكتملة للشعراء المؤسسين، ولا عن العودة إلى قمم الشعر العربى فى عصوره المختلفة لإغناء ذائقة الشاعر، تلك الذائقة التى تتكون من الإحاطة بتاريخ النوع، بالإضافة إلى الإحاطة بالمنجزات الأدبية فى الأشكال والأنواع الأخرى، كما أن المعرفة بمفهومها العام والشامل هى العامل المؤسس والحقيقى لوعى الشاعر.
■ مارأيك فى مصطلح القراءة السريعة؟
- هو مصطلح غامض، ربما كان الهدف منه هو الإلمام السريع من الخارج، ولو كان الهدف مجرد الإحاطة بموضوعات يعرف المتابع أنه لا يملك وقتا للقراءة المتعمقة فيها فلا بأس هنا بتلك القراءة السريعة، أما فيما يخص عالم الأدب – الشعر والقصة والرواية وفنون اللغة- فلا تصلح معها القراءة السريعة، فالأدب هو عملية امتصاص بطيء وتشكيل ذائقة واستبطان لجماليات اللغة، وبالتالى تصبح القراءة السريعة فخا منصوبا للكاتب.
■ كيف ترى التأثيرات فى الشعر عبر العصور؟
- هذا موضوع معقد، لكن فيما يخص الشعر العربى، فبعد أن كان الشعر ديوان العرب، أى كان مختزنا للوقائع والأحداث والحروب والتحولات وحاملا لبعض القيم التراثية، وكان مؤسسا على الشفاهية والحفظ والترديد فى الجلسات والسهرات وقصور الخلفاء ومخزنا للحكمة، اختلف كل ذلك الآن، وأصبح الشعر حالة فردية تعبر عن الذات، ذات الشاعر ولم يعد الشاعر ينطق بلسان الجماعة، بعد أن تولدت فنون أدبية أخرى حملت على عاتقها كثيرا من أدوار الشعر القديمة، ولكن ذات الشاعر فى النهاية تعبر عن سياق ثقافى واجتماعى ومذاق لغوى مرتبط بعصر كل شاعر ومرحلته، وهذه هى قيمة الشعر الحقيقية، وربما أصبح على الشاعر التخلى عن روح الشفاهية فى وقت أصبح الشعر فيه يصل إلى المتلقى مقروءا بنسبة كبيرة. وجماليات الشفاهى تختلف عن جماليات الكتابى، وهى منطقة مفتوحة للاكتشافات الخاصة لكل شاعر.
■ ماأمنيتك الشعرية؟
- الأمنية الشعرية التى أتمنى أن تتحقق، فهى أن نكتشف ونعرف ونتيقن من قيمة الشعر فى حياتنا، ودوره فى إعادة اكتشاف إمكانيات اللغة وتطويرها باستمرار، وأن اللغة العربية بما تمتلكه من عراقة ودينامية وقدرة على مواصلة الحياة جديرة بأن يظل الشعر على رأس اهتمامات المحبين لها، على أن نتخلص من حالة العبودية للتراث الشعرى القديم على أهميته، وأن ندرس ونقدم الإبداعات الشعرية المعاصرة فى الفصحى وفى اللغة اليومية المحكية، فتلك الإبداعات قادرة فعلا على مواجهة القبح اللغوى المستشرى فى حياتنا؛ فى الشارع وعبر شاشات التلفاز والوسائط الإلكترونية.