لم يترك الأدباء مناسبة إلا وكتبوا عنها أو وصفوها بكل ما فيها، فمنهم من نظم القصائد وآخرون لّمحوا إليها فى قصصهم أو رواياتهم، بينما حاول البعض البحث والتعمق فى تفاصيل هذه المناسبة من البداية وحتى النهاية. من بين هذه المناسبات شهر رمضان الكريم الذى أصدر الكاتب أحمد الصاوى كتابا له تحت عنوان «رمضان زمان» عرض من خلاله كل مظاهر الاحتفال بهذا الشهر من أول أيامه حتى نهايته، وبمناسبة حلول هذا الشهر الكريم نطلّع على ما سرده الكاتب عن رمضان زمان وكيف كان يتم استقباله.
من دواعى السرور والأنس عند المصريين القدماء هو أن يولموا الولائم ويجمعوا عددا كبيرا من الأقارب والأصدقاء حول الموائد لتناول الغداء والعشاء، وهذا ما تمثله مناظر كثيرة على جدران المعابد والمقابر وكانت تلك المآدب تماثل فى كافة النواحى التى كان يقيمها صاحب المقبرة فى حياته.
هذه الولائم كانت تسبقها حركة كبيرة فى المخازن والمطبخ وتجهيز اللحوم وتوضع الفاكهة فى أطباق هرمية وتستخرج الكئوس الذهبية، فقد جرت العادة عند قدوم ضيف أن يقف رب البيت بباب الدار لاستقباله ثم يدخل بضيوفه يتبادلون التحيات ويأخذ كل منهم مكانه فى المجلس فيجلس أصحاب المنزلة على مقاعد ذات ظهور عالية مموهة بالزخارف الذهبة والمرصعة، وتخصص بعض المقاعد الفاخرة لكبار المدعوين، أما الباقون فيجلسون على الحصير والخدم والخادمات يطوفون ويوزعون الزهور والعطور بجانب أطباق الطعام.
وعلى هذا النحو نجد أن موائد الإفطار الجماعى خاصة فى شهر رمضان تعد صورة من التراحم الاجتماعى فمعظم الأسر المصرية تحرص على تجمع أفراد الأسرة فى إفطار أول أيام وبعض أيام رمضان الأخرى فمثلا نجد فى محافظة البحر الأحمر يقوم شيخ كل قبيلة بتقديم إفطار أول أيام شهر رمضان وبعض الأيام لأفراد القبيلة فيذبحون الإبل ويقدمون الجبنة والقهوة وتسمى تلك العادة فى الغردقة «الكرامة» ومثلها نجد فى محافظة الوادى الجديد وتسمى « الختمة».
بينما نجد ظاهرة أخرى فى محافظة الغربية حيث يجتمع أفراد القرية فى إفطار جماعى للأطفال وفى قرية ميت يزيد التابعة للمحافظة يجتمع أهالى تلك القرية على إفطار آخر يوم ويحددون مكانه وسط المقابر على أن تتضمن قائمة الإفطار البيض والحمص. وفى الوادى الجديد يجتمع أبناء القرية الواحدة يوميا فى المسجد قبل صلاة المغرب لتناول وجبة الإفطار معا بعد أن يُحضر كل واحد منهم ما لديه من طعام، ويجتمعون بعد ذلك فى صلاة التراويح لتناول وجبة » العتوم» وهى وجبة رئيسية طول الشهر. نجد أيضا أن الأهالى يتناوبون فى الوادى الجديد على استضافة بعضهم البعض، يعقبها سهرة يشارك فيها الشيوخ والكبار والصغار، ويروى فيها الشيوخ تجاربهم مع الحياة ويستمع الصغار لنصائحهم وتستمر حتى ما قبل السحور. وفى معظم الأسر البدوية السيناوية تقوم فى مساء آخر ليلة جمعة رمضان لنحر ذبيحة تسمى «عشاء الأموات» والمقصود بها أن يكون ثوابها لأمواتهم حيث يقرأون الفاتحة وأجزاء من القرآن الكريم ترحما على الأموات.
كان من عادة النوبيين فى رمضان، أن يجتمع رجال النجوع فى العصارى فى الساحة ليسلون صيامهم بقراءة الأوراد جلوسا على الأبراش الخوصية الملونة ومن حولهم صوان نحاسية صفراء رصت فيها القلل القناوى ذات الأغطية النحاسية فى وهج الشمس الغاربة بينما تنهمك السيدات فى المطبخ وفى التشطيبات الأخيرة لمختلف الأطعمة التى يقدمنها فى الإفطار لأزواجهن المجتمعين فى الساحة.