قال ابن جبير فى رحلته فى نهاية القرن السادس الهجرى، عن الشام فى العهد الأيوبى قائلا ً: إن الرباطات وهى تسمى فى بلاد الشام بالخانقاوات كثيرة ويؤمها الصوفية، ويضيف بأنها كانت قصوراً فخمة لأن الصوفية كانوا هم الملوك فى تلك البلاد، أما فى العراق فقد غلب أسم الرباط على اسم الخانقاه وفى مصر أتبعت خطة السلاجقة فى إقامة الخانقاوات فبدأ فعلياً فى أيام الأيوبيين بعد زوال الدولة الفاطمية فى أواخر القرن السادس الهجرى.
استمرت الخانقاوات تؤدى وظيفتها وتطورها فى العهد المملوكى فى مصر والشام إلا أن تلك الوظائف وذلك التطور أخذ فى التباطؤ بعد النصف الثانى من القرن الثامن الهجرى / الرابع عشر الميلادى وأخذت
وبدأت وظائف الخانقاوات فى التراجع فى العصر المملوكى فى مصر والشام، وبدأت تتحول شيئاً فشيئاً إلى مؤسسات حكومية وبذلك أصبحت تابعة للحكومة تُشرف وتنفق عليها ولم تعد للطرق الصوفية أية صلة بها، إلا أن الصوفية لم يستسلموا واتجهوا إلى العمائر التى تتمتع باستقلال أكثر، وفى هذا العصر أصبحت الخانقاوات مختلطة تشمل عدداً من المؤسسات كالمسجد والمدرسة والضريح واختلط الأمر على المؤرخين حيث لم يستطيعوا فى العصور الوسطى الاتفاق على اسم هذه المؤسسة أو تلك نظراً لإختلاط الوظائف.
وفى الشرق انتشرت الخانقاوات السلجوقية، حيث بلغت حدود إيران الشرقية وأفغانستان فى منتصف القرن السـادس الهجرى / الثانى عشر الميلادى أمـا فى مستهل القرن السابع هجرى / الثالث عشر الميلادى، عندما فر السلاطين الغوريون إلى الهند بعد أن طردهم أمراء المماليك، وتلا ذلك هجرة الصوفيين وبالتالى تأسس طريقتين من طرق الدراويش هما «الجشتية والسهروردية» وقد اعتمدتا على شبكة واسعة من الخانقاوات ظهرت فى السلطة الجديدة، وفى القرن الثامن الهجرى / الرابع عشر الميلادى فرض السلطان محمد إصلاحات على الحركة الصوفية بالهند، اتخذت تلك الإصلاحات صورة العودة إلى الخانقاوات وتوسيع شبكتها فى الهند وهذا النمط من العمائر الذى جُلب من إيران فى القرن السابع الهجرى ازدهر ازدهاراً كبيراً لم يشهده أى مكان آخر حتى العصر الحديث وهو يُعد من المظاهر الخاصة للإسلام بالهند.
كان للخانقاوات وظيفة اجتماعية إضافة إلى الوظيفة الدينية والعلمية، فقامت برعاية الفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل حيث قدمت لهم الزاد الفكرى بمفهوم العصر الذى نشأت فيه وقدمت لهم إلى جانب ذلك الغداء والكساء والمأوى، وقد ضمت تلك الخانقاوات جميع أصناف الناس والمحتاجين الذين أقبلوا عليها للتفقه بالدين، كما ضمت أيضاً كثيراً من صغار التجار والفعلة الذين رأوا فى اللجوء إلى الخانقاوات الراحة الفكرية والنفسية والجسدية إضافة إلى إبعاد شبح العرى والجوع عنهم وبذلك ساهمت هذه الخوانق فى تخفيف وطأة الجوع عن المحتاجين وفى هذا خدمة للسلطان الذى قد يخطر فى باله أن يتفاخر بأنه لا يوجد جائع أو محتاج فى سلطنته.
من أين كانت تنفق تلك الخانقاوات ؟ لقد كانت هناك أوقاف كثيرة من أراضٍ ودور وأشجار أوقفها ذَوو اليسار من أجل بنائها والإنفاق عليها ودفع مرتبات شيوخها والإنفاق على روادها من التلاميذ والمحتاجين وعمل الإضاءة والتدفئة الخ.