عادة ربما لا تزال البيوت البسيطة والعائلات بالريف تلتزم بها، وربما كثير منا يذكرها عندما كنا أطفالًا، إنها عادة «الطبق الدوار» التى طالما كانت بين الأسر الريفية بنجوع وقرى الفيوم،وتكثر فى شهر رمضان المبارك،حيث يحرص كثيرا من الأسر خاصة فى الريف فى تبادل أطباق التمر والطبيخ التى تطهيها الأسرة إلى جيرانهم قبل الإفطار والحلويات عقب الإفطار بداية من أول يوم رمضان حتى نهاية الشهر الكريم، حيث ترسل الأسر الطبق سواء بالتمر أو بالطعام والحلويات ولا يعود فارغا حيث ترده الأسرة الأخرى بأكلات أخرى وهكذا ويظل الطبق الدوار يلف على الجيران والأقارب طوال شهر رمضان.
و قبل أذان المغرب بدقائق معدودة تقوم ربة المنزل بغرف الطعام فى الأطباق استعدادًا لتناوله، ولكن هناك صحن كما يصفونه زائد على أفراد الأسرة تطلب الأم من أحد أطفال الأسرة أو النساء بأن يذهب به إلى جارتها، عادة ربما تداولها خلال السنوات الماضية إلا أنها لا تزال حتى هذه العادة قائمة، فهناك دائمًا ذلك الطبق الذى يُوضع على مائدة طعام الأسرة الأخرى قبل أذان المغرب بدقائق، وفيه أكلة مختلفة عما أعدته ربة المنزل.
«الصحن الدوار» كما يصفونه أهل الريف بالفيوم عادة رمضانية قديمة،يوم عندى ويوم عندك يصول ويجول بين البيوت لينقل معانى الترابط والود، حيث يقدم أحد الجيران صحنا من الطعام الذى تم إعداده لجيرانهم قبل موعد الإفطار، ويستقبلون منهم صحناً بما أعدّوه، وهكذا حتى يجوب الصحن أرجاء الشارع أو الحارة جميعها، ويسود من خلاله أجواء فرح جميلة، وبالتالى لا يشعر الفقير بنقص فى مائدته.
ففى السابق كانت حياة الناس بسيطة وخاصة فى الريف، وكانوا يطهون المحشى والملوخية والبامية وغيرها من المأكولات ويبعثون لجيرانهم منها،والطبق الأساسى الذى يتبادلانه أهل القرى بالفيوم الآن هى التمور والمخللات، والتى تبعث فيهم الفرحة بهذه العادة التى لم تعد موجودة فى وقتنا هذا بشكل كبير فى مدن المحافظة، إلا أنها لا زالت موجودة بعض القرى والتى لا زالت تستخدمها لكن بشكل قليل.
أمّا وقت السحور، فصحن الحليب الطازج والجبن، وطبق المدمس، يتبادلانه الأسر والأقارب بقرى الفيوم، بالإضافة إلى عادة لم تنس ولا زالت حتى يومنا هذا المسحراتى بعصاه وطبلته ومن خلفه الأطفال فرحين ويصفقون ويهتفون خلفه بمناداتهم بأسمائهم إصحى يا أحمد أصحى يا محمد وهكذا، وسبب غياب «الصحن الدوار» فى وقتنا هذا بأن كثيرا من العائلات كبرت ومنها ما انتقل بأسرته للخارج أو إلى المدينة، وانشغلت فيما بينها.
«الصحن الدوار» كان مدخلًا أجواء فرح ومودة لا مثيل لها بين الجيران،وهذه العادة تزيد من أجواء المحبة والألفة بين الناس، فهذا الصحن يحمل معه إلى جانب الطعام مشاعر التذكر والدعوة الصالحة والحب وغيرها من المشاعر الإيجابية التى تزيد من المحبة بين الجيران بعضهم البعض، والتى علمتها الجدات والأمهات منذ قديم الأزل للأجيال الأخرى والتى كانت ترسلها الجدة أو الأم بصحن الطعام لجارتهم الفقيرة، فالصحن الدوار بريف ونجوع الفيوم عادة لم تندثر.