لم يترك الأدباء أى مناسبة إلا وكتبوا عنها أو وصفوها بكل ما فيها، فمنهم من نظم القصائد وآخرون لّمحوا إليها فى قصصهم أو روايتهم، بينما حاول البعض البحث والتعمق فى تفاصيل هذه المناسبة من البداية وحتى النهاية.
ومن بين هذه المناسبات شهر رمضان الكريم الذى أصدر الكاتب أحمد الصاوى كتابا له تحت عنوان «رمضان زمان» عرض من خلاله كل مظاهر الاحتفال بهذا الشهر من أول أيامه وحتى نهايته، وبمناسبة حلول هذا الشهر الكريم نطلّع على ما سرده الكاتب عن رمضان زمان وكيف كان يتم استقباله..
فى هذه الحلقة نسترجع أيام الأسواق فى القاهرة قديما، فقد قال الكاتب أحمد الصاوى فى كتابه » رمضان زمان أنه لو قيض القدر للقاهرة أن تحتفظ بأسواقها القديمة لعرفها العالم بوصفها مدينة الأسواق وليس مدينة الألف مئذنة.
كانت مساحة القاهرة قديما صغيرة فلم تكن كبيرة بأى حال من الأحوال، فكان بها ٥٠ سوقا مفتوحة، ٣٣ مبنى مخصصا لأغراض التجارة تتنوع بين قيسارية أو خان أو فندق أو وكالة، وذلك كله خارجا عما كان فى الفسطاط وساحل بولاق وظواهر القاهرة، وكان كل أهل حرفة أو تجارة يجتمعون فى سوق خاص بهم وذلك تسهيلا لشيخ كل طائفة فى مراقبته لأبناء صنعته.
إن من أشهر الأسواق التى ذكرها المؤرخ المشهور المقريزى هو «سوق القصبة» أى سوق الشارع الرئيسى للقاهرة وهو حاليا شارع المعز، فكان به ألف حانوت غاصة بأنواع المأكل والمشرب والأمتعة التى تبهج رؤيتها، وقد تفرعت من هذا السوق أسواق صغيرة أخرى أهمها سوق بين القصرين، واعتبرت من أعظم أسواق الدنيا ثم سوق السلاح وسوق اللحميين أى الجزارين وسوق الجوخيين لتجارة أقمشة الجوخ وسوق الحلاويين وسويقة أمير الجيوش وسوق الصنادقيين والحريرين والعنبريين والخراطين والقرابين لبيع قرب الماء.
لم يتبق من هذه المنشآت التجارية التى تعددت مسمياتها فمنها ما يُعرف بالوكالة أو القيسارية أو الخان وأيضا منها الفنادق سوى عدد ضئيل أهمها وكالة قايتباى قرب باب النصر ووكالة الغورى بجوار الأزهر وخان الخليلى بحى الجمالّية، وتعد وكالة الغورى أحسن هذه المنشآت اكتمالا وحفاظا فتتكون من فناء واسع مكشوف تحيط به أربعة أضلاع من البناء كل منها مكون من خمسة طوابق وكانت الأدوار السفلية مخصصة لعرض البضائع وتخزينها أما الأدوار العلوية كانت معدة لسكن التجار الذى يجيئون من شتى أقطار الأرض.
القاهرة منذ نشأتها مركزا للتجارة العالمية، وانعكس ذلك على حركة البيع والشراء بها، فأصبحت أسواقها أكثر بقاعها ازدحاما وضجيجا وخلال شهر رمضان، كان الازدحام والتكالب على الحوانيت أكثر المظاهر تشويقا وإثارة فى سوق القاهرة، وخاصة حسبما لاحظ الرحّالون كانوا يشترون طعامهم مطهيا فى الأسواق، والفترة المحددة للإفطار وحتى لحظة الغروب كان يسبقها صخب وتكالب يمتد إلى وقت السحور، واستمر هذا الوضع حتى مقدم الحملة الفرنسية فى نهاية القرن الثامن عشر.. يتبع