فى تراث الشعر العربى، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسى، كنوز وجواهر لا ينبغى للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، فى محاولة لتحقيق التواصل الضرورى والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
قطرى بن الفجاءة
«وما للمرء خيرُ فى حياةٍ إذا ما عُدّ من سقطِ المتاعِ»
لا يحول الاختلاف الفكرى مع الخوارج دون الإقرار بشجاعتهم الأسطورية وقوة عقيدتهم وتسلحهم باليقين الذى يثير الدهشة، وربما الإعجاب أيضا. يقبلون على الموت كأنه نزهة، ويخوضون المعارك الضارية فى بساطة لا يشوبها شيء من التردد والخوف، ويترجمون ذلك فى قصائدهم ذات التوجه المختلف عن التقليدى الشائع من قصائد المرحلة التاريخية التى ينتمون إليها.
قصيدة قطرى الشهيرة، التى يختتمها ببيته ذائع الصيت، تعبر عن قيمة مثالية سامية، تتجاوز الفكر الخارجى إلى القيمة الإنسانية التى ينبغى التشبث بها قدر الطاقة والمستطاع. الحياة الحقيقية ليست وجودا هامشيا هشا، بل هى الحراك الفاعل المتكئ على رسالة ينذر لها المرء عمره، ويستهين فى سبيلها بكل الأخطار التى قد تطيح به وتسلمه إلى الهلاك، لكن الخلود ينتظره جراء آثاره الباقية التى لا يطولها الذبول.
قلائل هم الذين يصلون إلى التوافق والتناغم بين فكرهم وإبداعهم، وشعراء الخوارج تجسيد خلاب لهذا الانسجام الاستثنائى الجدير بالاهتمام، دون نظر إلى الاختلاف معهم. إنهم يعبرون عن قيم يجتمع حولها الفرقاء، ويترجمها القارىء بما يتناسب مع رؤاه ومعتقداته: ما جدوى أن تعيش كالموتى، مهملا منبوذا زائدا عن الحاجة؟.