لوحة جيرنيكا من أشهر أعمال الفنان الإسباني بابلو بيكاسو حيث كلفته الجمهورية الإسبانية الثانية لتعرض الجناح الإسباني في المعرض الدولي للتقنيات والفنون في الحياة المعاصرة.
تضمنت اللوحة استخدام الألوان الزيتيّة والخيش وتم استخدام عدّة ألوان وهي، الأزرق الداكن والأسود والأبيض، طولها يبلغ حوالي 3.5 متر أما عرضها فيبلغ 7.8 مترًا تقريباً.
دفع رسم "جيرنيكا" بياكسو إلى الاستغناء عن مشروعه الذي كان يستعد له، والتخلي أيضًا عن إقامة في باريس بعد سماعه بحادثة قصف جيرنيكا في 26 أبريل عام 1937، وبعد زيارة الشاعر خوان لارريا له وتحفيزه على رسم هذا الحدث بدأ في رسم سلسلة من الرسومات الأولية لحادثة جيرنيكا وصولًا للوحة المطلوبة.
عمل بيكاسو على اللوحة مدة 35 يومًا متواصلًا واستطاع إنهائها في 4 يونيو عام 1937، وتتلخص فكرة جيرنيكا بأنها تعبر عن مشهد داخل غرفة على يسارها يقف ثور يمتاز باتساع العينين فوق امرأة حزينة تحمل طفلًا متوفيًا بين ذراعيها، وفي وسط الغرفة يوجد حصان لامع جدًّا وتوجد فجوة كبيرة إلى جانبه وكأنه تم طعنه برمح، يوجد أسفل الحصان جندي متوفي ويده اليمنى مقطوعة تحمل سيفًا محطمًا، أمّا أعلى الحصان من الجهة اليمنى توجد امرأة خائفة تراقب الأحداث التي تجري من خلال نافذة وتحمل بيدها مصباحًا مضاءً باللهب، وتوجد مجموعة من الخناجر تعبر عن الصراخ والألم حلت مكان لسان الحصان والثور والمرأة الحزينة.
تم رسم لوحة جيرنيكا بإستخدام طلاء مطفي غير لامع تم إعداده بناءً على طلب بيكاسو للحصول على لمعان قليل جدًّا وقدّم الفنان الأمريكي جون فيرين المساعدة لبيكاسو حيث قام بمد اللوحة أما المصورة دورا مار التي كانت تعمل مع بيكاسو في تصوير لوحاته والاستوديو الخاص به وتعليم بيكاسو تقنيّة المخطط الفوتوغرافي فقد قامت بتوثيق خطوات رسم بيكاسو للوحة خطوة بخطوة إيمانًا منه بأن ذلك سيساعده في دعم القضية والرسالة التي تحملها اللوحة.
يعود تاريخ لوحة "جيرنيكا "إلى الأحداث التي وقعت في مدينة جيرنيكا عام 1937 حيث كانت خلال الحرب الأهلية الإسبانية تُمثل المعقل الشمالي لحركة المقاومة الجمهورية ومركزًا للثقافة، وهذا ما أضاف إلى أهميتها وأصبحت هدفًا للاعتداءات، مما أدى لتكون القوّات الجمهورية ومن مجموعة من الفصائل مثل الشيوعيين والاشتراكيين الذين اتحدوا في معارضتهم للقوميين، وقامت بعد ذلك الطائرات الحربية التابعة لجيش الكندور الألماني بقيادة العقيد فولفرام فريهر فون ريختهوفن بقصف جيرنيكا بلا رحمة، مما أدى إلى إسقاط كل شيء وتدمير كل ما وجد، وفي هذه الأثناء كان السكان مجتمعين في وسط المدينة وبدأ القصف عليهم ولم يتمكن الكثير منهم من الفرار، وذلك لأن الطرق كانت ممتلئة بحطام المنازل والجسور، وكانت جيرنيكا مأهولة بالنساء والأطفال فقط وذلك لأن معظم الرجال كانوا غائبين بسبب القتال بالتزامن مع وقت القصف، وهذا ما عرضته اللوحة حيث قدمت معاناة الشعب وخوفهم من المأساة التي تعرِّضوا إليها، وعكست هذه الصورة على الشخصيات التي تضمنتها، والجدير بالذكر أن بيكاسو عاش في باريس خلال الإدارة العسكريّة في فرنسا أي أثناء الحرب العالمية الثانية.
تختلف تفسيرات لوحة جيرنيكا بشكل كبير ومتناقض وتوجد عدة تفسيرات لها فمن أحد التفسيرات والتحليلات الفنية للمؤرخة باتريشيا فيلينج حيث أشارت إلى أن الحصان والثور يمثلان شخصيتين مهمتين في الثقافة الإسبانية وفقا لاستخدم بيكاسو هذه الشخصيات سابقًا لأداء الكثير من الأدوار المختلفة خلال مسيرته الفنية، ومن وجهة نظر أخرى أشارت إلى أن الحصان يرمز الى الشعب الاسباني والثور يشير للعنف، أما الجندي المتوفي فيعبر عن الهزيمة والمصباح يشير للسلام أما المرأة التي تحمل الطفل المتوفي تشير للضحايا.
أمّا عن الفنان الإسباني بابلو رويز بيكاسو فهو من مواليد 25 أكتوبر عام 1881، إسباني الأصل وهو رسام ونحات وفنان تشكيلي وأحد أشهر الفنانين في القرن العشرين وينسب إليه الفضل في تأسيس الحركة التكعيبية في الفن، توفي في 8 أبريل عام 1973 في موجان بفرنسا.