فى تراث الشعر العربى، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسى، كنوز وجواهر لا ينبغى للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، فى محاولة لتحقيق التواصل الضرورى والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
الفرزدق «همام بن غالب»
«ما قال لا قطّ إلا فى تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعمُ»
لآل البيت النبوى مكانتهم الدينية والعاطفية فى نفوس ملايين المسلمين، القدامى والمعاصرين. قد تتدخل الاعتبارات السياسية والنفعية لترويض العواطف الجياشة جالبة المشاكل مع السلطة، لكن الفرزدق يتحرر فى قصيدته الاستثنائية هذه من الحسابات جميعا، ويجهر بما يعتمل فى قلبه من مشاعر جياشة. يتفنن فى مدح زين العابدين على بن الحسين، ولا يعبأ بما قد يترتب على ذلك من غضب حتمى يطول هشام بن عبد الملك بن مروان، الحاكم الذى لا يقوى على اختراق الزحام حول الحجر الأسود، لكن هؤلاء المتزاحمين يتراجعون بفعل الحب أمام حفيد النبى ذى المكانة والمهابة الموروثة.
لايمكن القول إنها قصيدة مدح تقليدية مثل آلاف القصائد التى تُكتب لاكتساب الرزق، ذلك أن الممدوح عند الشاعر تجسيد لروعة النسب الشريف والورع والتقوى والسخاء غير المحدود، وليس أدل على ذلك من غياب كلمة «لا» فى قاموس حياته اليومية، فهى لا تُذكر إلا فى صلاته حيث التشهد: لا إله إلا الله.
قصيدة صادقة مزلزلة حافلة بالحب والتقدير، ولا موضع فيها للنفاق المرذول الفج. تُقرأ فتبدو كأنها نص عفوى سريع الطلقات، يستحيل إيقاف تدفقه العذب النابع من أعماق القلب، فى لحظة شجاعة خارقة تغيب فيها لعنة الحسابات.