الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الأخبار

فى عصر الأيوبيون.. وقف النساء حارب البدع والإنحراف المذهبي

وقف النساء
وقف النساء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شهدت بلاد الشام ازدهارًا فى حركة المجتمع الجهادى «العلمية والدينية»، وتسابق القادة الأيوبيون ونساؤهم ورجالاتهم فى تشييد المؤسسات الوقفية، لدرجة دفعت ابن جبير الذى زار دمشق وقتها، للقول: «إن البلد تكاد الأوقاف تستغرق جميع ما فيه»، وذلك بعد قضاء السلطان صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية، استخدم الأيوبيون الوقف لتدعيم سلطتهم، فعملوا على تكوين طبقة نخبوية مثقفة تساندهم فى الحكم وتابعة لهم.

كما رأوا أن الوقف يخلق مجتمعًا تراحميًا يترجمه الفرد المسلم فى جهاده وعِلمه وعَمله، وكان هناك اهتمام رسمى أيوبى فى إدارة ومؤسسة الأوقاف لعوامل سياسية واجتماعية وخيرية، فهو لمجابهة حركة التشيع الذى سببه تأثير دعوة الفاطميين خلال حكمهم على مصر والشام من جهة، ومن جهة ثانية لتثبيت أركان الأيوبيين ليستمروا فى حكم بلاد ليسوا منها؛ فأصولهم أكراد من أواسط آسيا ويحكمون بلادًا غالبية سكانها من العرب، وكانوا خدمًا وأمراءَ حربٍ لدى سادتهم السلاجقة والزنكيين.

وكان هناك نماذج للنساء الواقفات فى بلاد الشام فى العهد الأيوبى شاركت سلطانات وأميرات الأسرة الأيوبية «الخاتونيات» فى بناء المؤسسات التعليمية، وأوقفن عليهن أوقافًا لا حصر لها، وكُنَّ يُنشئن المدارس للصبيان لتعلم الحديث الشريف والمذاهب الفقهية، وتنوعت أوقافهن، وحظيت دمشق بحصة الأسد، كونها عاصمة السلطنة، ومركز السلاطين، وقاعدة جهاد ضد الصليبيين فى السواحل الشامية. 
وكان لأوقاف المرأة أثر فى الازدهار الاجتماعى والثقافى والاقتصادى، حيث تركت مؤسسة الوقف النسائية آثارًا اجتماعية واقتصادية وعلمية فى حياة المجتمع والدولة، تمثلت فى حمل الوقف كمؤسسةٍ مجتمعية – تنموية خيرية، مضامين تعبر عن الهوية الحضارية للإسلام، فكان التعليم فى المساجد والتكايا والزوايا والمدارس، وساعد الوعى السياسى والدينى للنساء الخيرات على اكتساب الوقف بُعدًا حضاريًا ترك آثارًا عميقة داخل المجتمع الإسلامى، إذ كان يلحق فى كل مؤسسة وقفية مسجدٍ يؤدى فيه الطلاب والمدرسون صلاتهم، وذلك إشارة إلى مدى التطور التنظيمى الحاصل، وبدوره احتفظت المساجد الكبرى بمكانتها وشهرتها العلمية حتى أواخر العهد العثمانى، مثل: جامع بنى أمية المسجد الأقصى.

وأدت أوقاف المرأة الأيوبية دورًا بارزًا فى الحركة الثقافية والدينية؛ فالأيوبيون من خلال هذا النظام أثبتوا قدرتهم على تطوير الحياة العلمية، وكَثُرَ أهل العلم فى بلاد الشام، وقدمت أوقاف المدارس والأربطة، إضافة إلى التدريس، الطعام والشرب والمنام، والعلاج، وحرص معظم أصحابها على توفيرِ أوقافٍ استثمارية، لضمان استمرارها كونها كانت مؤسسات تتمتع بالاستقلال المالى عن الدولة، وهو أمر دفع بكثير من طلاب العلم فى العالم الإسلامى للوفود إلى دمشق؛ حيث الأوقاف السخية التى توفر أسباب العيش وتكفل الاشتغال بالعلم دون تعب، وكان الريع على الأوقاف شهريًا أو يوميًا نقدًا أو عينًا، أى حسب شروط الواقف.

وكان للأوقاف النسائية الأيوبية أثرها التوعوى، من خلال محاربة البدع، وتجنيب الناس الانحراف المذهبى، فساهموا بإعداد جيل حمل مهمةً جهاديةً ضد أعداء الأمة «الصليبيين»، وعبَّرت الوقفيات النسائية الأيوبية عن نوع من الحراك المتواصل فى المجتمع الإسلامى، وذلك فى تحسين الأوضاع الاقتصادية، وتعزيز الجانب الأخلاقى فى المجتمع من خلال رعاية النساء المطلقات والأرامل والأيتام والعبيد والطبقات المهمشة. 

وبالتالى ساعدت على تحقيق الاستقرار الاجتماعى، وتمكَّن الفقير كالغنى من الحصول على حقه فى المتطلبات الأساسية من خلال نظام الوقف، وهو ما عزز روح الانتماء إلى المجتمع الإسلامى، وشكلت الأوقاف النسائية الركن الأساسى للتآلف المجتمعي؛ لأنها تستند إلى مذهب واحد «السنة»، وخَرَّجت من مدارسها، قضاةً وعلماء ورجال سياسة، بإشراف كبار علماء الأمة، مثل ابن تيمية، وابن الجوزى وآخرون.