تسعى مصر للسيطرة على واحدة من أخطر الجرائم المجتمعية، وهو ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي للتوجيه بالإسراع في إصدار قانون يجرم ويمنع الزواج المبكر للأطفال، ومن هنا جاءت موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون حظر زواج الأطفال.
وقال مجلس الوزراء، إن مشروع القانون يأتي اتساقًا مع نصوص مواد الدستور، وبما يسهم في الحد من هذه الظاهرة السلبية، حيث يُعد زواج الأطفال جريمة في حقهم، فضلًا عن تأثيرها السلبي على المجتمع، وذلك نظرًا لعدم اكتمال نموهم الصحي المناسب لتحمل تبعات الزواج- سواء كان ذكرًا أم أنثى- في هذه المرحلة العمرية، وباعتبارهم غير مؤهلين من النواحي النفسية، والثقافية، والعقلية، والجسدية، لكى يتحملوا مسئولية تكوين أسرة، وتربية أطفال، كما أن ذلك يُعد اعتداءً صارخًا على مرحلة الطفولة، وهو ما دفع المشرع للتدخل لمنع هذه الممارسات الضارة على المجتمع.
ونص مشروع القانون على أنه لا يجوز توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية، ولا يجوز التصادق على العقد المذكور، كما أجاز لذوى الشأن أن يقدموا طلبًا على عريضة إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفته قاضيًا للأمور الوقتية للإذن بتوثيق عقد زواج من لم تبلغ ثماني عشرة سنة في الجرائم المنصوص عليها في المواد أرقام (267)، و(268)، و(269) من قانون العقوبات، بعد صدور حكم نهائي بالإدانة.
وأوجب مشروع القانون على المأذون أو الموثق المنتدب إخطار النيابة العامة – الواقع في دائرتها مقر عمله – بواقعات الزواج العرفي الذى يكون أحد طرفيه طفلًا لم يبلغ ثماني عشرة سنة وقت الزواج، والتي تقدم للمأذون بغرض التصادق عليها، مرفقًا بالإخطار صورة عقد الزواج العرفي، وبيانات أطرافه، وشهوده.
عقوبات رادعة
ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، كل من تزوج أو زوَّج ذكرًا أو أنثى، لم يبلغ أي منهما ثماني عشرة سنة، وقت الزواج، وتقضى المحكمة على المحكوم عليه إذا كان مأذونًا أو موثقًا أو وصيًا على الطفل بالعزل، وإذا كان وليًا عليه بسبب الولاية.
ويعاقب كل من حرض على هذه الجريمة بذات العقوبة، ولو لم يترتب على التحريض أثر، ولا يُعد الطفل مسئولًا مسئولية جنائية أو مدنية عن هذه الجريمة، ولا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجريمة، بمضي المدة.
كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، والعزل، كل مأذون أو موثق منتدب خالف نص المادة (2) من هذا القانون، الخاصة بالإخطار عن واقعات الزواج العرفي الذى يكون أحد طرفيه طفلًا.
أرقام مرعبة
ووفقا لما أعلن عنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في آخر مسح ديموغرافي، فإن 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاما متزوجون أو سبق لهم الزواج، وأن محافظات الصعيد هي الأعلى من حيث معدلات الزواج والطلاق، بينما سجلت محافظات مصر الحدودية "البحر الأحمر وسيناء ومرسى مطروح وأسوان" أقل نسبة في زواج الأطفال.
وفي هذا الشأن، قالت الدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة، إن قانون حظر زواج الأطفال يعد تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال احتفالية المرأة المصرية ٢٠٢١ بإصدار قانون مستقل ينص صراحة على السن القانونية للزواج، لافتة إلى أنه يتسق مع الدستور المصري الذى نص صراحة فى مادته ١١ على التزام الدولة بحماية المرأة من جميع أشكال العنف.
ترحيب مجتمعي
وأكدت "مرسي" في بيان لها أن موافقة مجلس الوزراء على القانون جاء لمكافحة ارتكاب هذه الجريمة في حق فتيات مصر، مشيرة إلى أن زواج الأطفال يعد انتهاكا صارخا لحقوقهن لما لها من تأثير سلبى نظرًا لعدم اكتمال نموهن الصحي المناسب لتحمل تبعات الزواج في هذه المرحلة العمرية، وباعتبارهن غير مؤهلات لتحمل مسئوليات تكوين أسرة من النواحي النفسية، والثقافية، والعقلية، والجسدية، وهو ما دفع المشرع للتدخل لمنع هذه الممارسات الضارة على المجتمع.
وعلى صعيد متصل علق إسلام عامر نقيب المأذونين الشرعيين، قائلا: إن مشروع القانون يعد "خطوة على الطريق الصحيح"، مشيرا إلى ضرورة وجود فترة انتقالية لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تطبيق القانون، بهدف توفيق أوضاع من تزوجن دون السن، لإتاحة الفرصة لهن لاستخراج وثيقة زواج".
حظر زواج الأطفال «خطوة إيجابية»
أما نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، فقالت إن الموافقة على مشروع قانون حظر زواج الأطفال خطوة جيدة جدًا ومبشرة في ظل الإصرار من قبل البعض على استمرار ظاهرة زواج القاصرات في المجتمع.
ولفتت أبو القمصان في تصريحاتها لـ"البوابة نيوز" إلى أن سن قانون يجرم زواج الأطفال كان واجبًا لأن انتشار الظاهرة بهذا الشكل في المجتمع جاء نتيجة لأن القانون لا يزال لا يجرم هذه الجريمة في حق الأطفال، ويكتفي فقط بمنع توثيق عقد الزواج.
ولفتت المحامية المتخصصة في القضايا الأسرية إلى أن هذه الظاهرة تحتاج إلى مزيدا من التوعية المجتمعية بالمخاطر النفسية والصحية لزواج القاصرات، وضرورة فتح حوار مجتمعي فعال بمشاركة متخصصين في علم الاجتماع للتعريف بالظاهرة.
من جهته، قال الدكتور حمدي عرفة، خبير الإدارة المحلية، إن الموافقة على القانون من شأنه طي صفحة الظاهرة السلبية التي تسيطر على المجتمع منذ سنوات، مشيرا إلى أن القانون تضمن عقوبات رادعة من شأنها وقف هذه الجريمة.
وأضاف عرفة في تصريحاته لـ"البوابة نيوز" إلى أن القانون ينص على أنه لا يجوز توثيق عقد الزواج لمن هم دون الـ18 عاما، كما أوجب القانون على المأذون إخطار النيابة في حال ظهور وقائع الزواج العرفي للأطفال، كما يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن سنة وغرامة من 50 إلى 200 ألف جنيه كل من زوج زكرا أو أنثى لم يبلغ الـ 18 عاما، وكل هذه عقوبات رادعة لوقف الظاهرة.
فيما عبرت البرلمانية شيماء نبيه، عضو لجنة التضامن بمجلس النواب، عن ترحيبها بموافقة مجلس الوزراء على مشروع القانون، وشددت على أن القانون يعد خطوة مهمة لحماية الأطفال.
وقالت "نبيه" إن زواج الأطفال ظاهرة خطيرة ترهق المجتمع وتتسبب في أضرار جسيمة على الأطفال نفسية وجسدية، كما تسفر عن تداعيات سلبية على المجتمع.
ودعت البرلمانية إلى ضرورة التعامل بحزم مع هذه الظاهرة الخطيرة، مشيرة إلى أنه ليس من الطبيعي أن تستمر هذه الظاهرة في القرى والنجوع والمناطق الفقيرة يتزوج الأطفال وبخاصة القاصرات دون وثيقة أو قسيمة زواج، وهو ما جرمه مشروع القانون من خلال عقوبات رادعة.