الدُّمية وسيلة تعليمية مهمة للطفل في المراحل التعليمية الثلاثة الأولى من عمره بداية من الصف الأول حتى الثالث الابتدائي، التي تعد بمثابة الصديق له، فلا شيء يحل محلها على الإطلاق سواء كان تقنيًا أو إلكترونيًا أو غيرها، لكن تبقى الدُمية حبيبة الطفل وصديقته الأولى والأخيرة، ويتلقى منها ما يفيده من حب وشغف.
من هنا نلقي الضوء على بعض النقاط المُهمة التي تجعل من هذه الوسيلة أكثر فاعلية، بالنسبة للمؤسسات التربوية، والثقافية وغيرها؛ كما تؤثر فنون العرائس تأثيرًا كبيرًا على مدى التاريخ، والدليل على ذلك هو تعدد توظيفاتها جماليًا ونفعيًا، واستطاعت هذه الفنون أن تثبت استمراريتها وتواجدها في شتى مجالات الحياة لا حدود زمنية أو مكانية أو تقنية لعالمها الساحر، فهي في تطور دائم.
التقت «البوابة نيوز» الفنانة العراقية الدكتورة زينب عبدالأمير أحمد، أستاذ فلسفة التربية الفنية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، والمتخصصة في مجال مسرح الطفل والدمى، للحديث عن الدمى بوصفها وسيلة تعليمية، والمراحل المساهمة في توظيف الدمى داخل العملية التعليمية، وكيف يصبح المُعلم فنانًا، وإلى نص الحوار:
* كيف يمكن توظيف الدُّمية داخل العملية التعليمية؟
-في الحقيقة يعد موضوع توظيف الدمية في العملية التعليمية من الموضوعات غاية في الأهمية ومطروحة منذ عقود، وأنا شخصيًا تناولت هذا النوع من التوظيف في رسالة الماجستير منذ عام ٢٠١٠ التي كانت بعنوان "برنامج تدريبي لإكساب معلمي المرحلة الابتدائية مهارات فن صناعة وتحريك الدمى" وطرحت عبر هذا البرنامج مصطلح الدمية التعليمية الذي لم اجد له تعريف الاّ لدى البروفيسور محمد محمود الحيلة "المختص في تكنولوجيا التعليم"، ورغم ذلك لم تجد الدُّمية التعليمية الفرصة الكافية كي تحقق تأثيرها الفاعل والمؤثر في المؤسسات التربوية والذي لاحظه التربويون المعنيون بتربية الطفل أمثال "فروبل، وماريا منيستوري" حيث أكدوا أن مسرح الدمى يُعد وسيطًا فاعلًا في تربية الطفل، سواء في النواحي التعليمية و الاجتماعية و الوجدانية، فضلا عن طروحات الفيلسوف الفرنسي «جان جاك روسو» حول أهمية اللعب بالنسبة للطفل في عملية التعليم والاتجاه إلى الطبيعة والحركة واللعب، والابتعاد عن أسلوب التلقين عبر الاعتماد على الكتب المنهجية في أثناء الموقف التعليمي، فالدمية هي لعبة الطفل المحددة، وهو بطبيعته الغريزية يتماهى معها منذ مراحله الأولى فنجده يقضي معها أوقات طويلة، وهي بدورها قريبة إلى نفسيته ومستوى مدركاته ومخيلته .
أما عن كيفية توظيف الدُّمى في العملية التعليمية وتحديدًا داخل الصف الدراسي، فذلك يتطلب أن يمتلك المعلم أو المدرس مهارات المعلم أو المدرس الفنان عبر أسلوبه في التعليم لتبسيط المادة الدراسية للمتلقين لا سيما تلاميذ المرحلة الابتدائية، ومن بين هذه المهارات ابتكار الوسائل التعليمية التي تعمل على جذب وتفعيل مجمل حواس المتلقي في عملية التلقي ومن أهمها الدُّمية التعليمية بوصفها وسيلة فنية من شأنها أن تكون وسيطًا تربويًا وتعليميًا ناجحًا وفاعلًا ومشوقًا، وهذا بدوره يتطلب اكتساب مهارات تصميم الدُّمية وتنفيذها والتمثيل من خلالها فضلًا عن مهارة مسرحة المادة التعليمية عبر تحويل عناصرها الأساسية إلى شخصيات مسرحية تجسدها الدُّمى إلى جانب امتلاكه مهارات الصوت والالقاء، ومن خلال الدراسة التي اجريتها في مرحلة الماجستير وجدت أن «الدمية القفازية ذات الفم المتحرك» هي أكثر الأنواع ملائمة لتلاميذ المرحلة الابتدائية لا سيما الصفوف الثلاثة الأولى منها، الاّ أن هذا لا يعني عدم صلاحية الأنواع الأخرى من الدُّمى في توظيفها بالعملية التعليمية كدُّمى «الماريونت» التي تُحرك بواسطة الخيوط، و«القفاز» بواسطة أصابع اليد، و«خيال الظل»، والدُّمى الكبيرة الملبوسة، ودمى «العصي»، و«الطاولة»، وغيرها من الأنواع المختلفة سواء على مستوى الشكل، والهيئة، والتحريك، وعليه لا بد من تطوير الكفاءة المهنية للمعلم والمدرس أيًا كان اختصاصه عبر ادخاله دورات تدريبية وتأهيلية في هذا المجال وهذا بدوره ينعكس لاحقًا على دافعيته وفاعليته ويزيد من ثقته بنفسه.
* حدِّثينا عن المراحل التي تُسهم في توظيف الدُّمى داخل العملية التعليمية؟
- هناك ثلاث مراحل أولها: أن يُتقن المُعلم مهارة عمل السيناريو أو الحوار، والذي يمسرح من خلاله المادة التعليمية عبر تحويل المادة الدراسية الجافة إلى نص درامي مرئي ومسموع، وهذا يتطلب كما ذكرت ادخاله لورش ودورات تدريبية متخصصة في هذا المجال، ثانيا: اكتساب مهارات تصميم وصناعة الدمى وفقاً لما تتطلبه المادة التعليمية مع مراعاة الأسس الإدراكية، والنفسية للمتلقي وخلق التشويق، أي الربط ما بين المتعة والتشويق من جهة والفائدة التعليمية في عملية التصميم والتنفيذ من جهة اخرى لتحقق الدمية التعليمية الوظيفة والأثر المطلوب في مدركات الطفل وبنائه مخزونه المعرفي، وهذا ما أكد عليه الكاتب المسرحي الألماني «برتولت بريخت» في المسرح من خلال أسلوبه المطروح في المجال المسرحي، الذي ينص على الجمع ما بين المتعة، والفائدة، ثالثاً ان يمتلك المعلم مهارات الصوت والالقاء "التلوين الصوتي" التي يمكن من خلالها أن يُوظف الدُّمية بشكل افضل في اسناد الموقف التعليمي عبر التلوين في طبقة الصوت وشدته وايقاعه.
* هناك عدة مهارات يمتلكها المُعلم في فن صناعة وتحريك الدُّمى.. ماذا عنها؟
- من بين المهارات التي يجب أن يمتلكها المُعلم لتوظيف الدُّمى في العملية التعليمية، هي مهارة تطويع المادة التعليمية عبر تحليلها وتحديد اهدافها ومن ثم تصميم وتنفيذ الدمية التعليمية "من حيث شكلها وحركاتها وحوارها" على ضوء ذلك بما ينسجم ويتوافق مع حاجات المتلقي فضلًا عن ملائمتها للبيئة الاجتماعية من حيث مراعاتها لعادات وتقاليد المجتمع الصحيحة، ومراعاة مستوى الإدراك لدى المتلقي التلميذ، ولهذا يجب على المُعلم أن يضمن المادة التي تقدمها الدمية التعليمية، فكرة واحدة فقط، مع مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، فضلًا عن تطويع نوع الادراك لدى الإنسان في كونه ادراك انتقائي، أي عندما يصمم المُعلم الدمية يجب أن يخلق فيها من المثيرات التي تجذب المتلقي التلميذ لها بما يحقق الهدف أو الفكرة الأساسية للمادة الدراسية، ولا يخلق في الدمية أو يصنع فيها مجموعة من المثيرات بالألوان أو بالحركة أو بالكلمات... إلخ، ما يُشوّش التلميذ ويبعده عن الهدف والفكرة الأساسية المراد تحقيقها في الموقف التعليمي، بالإضافة إلى طرح المادة بطريقة منطقية بدءًا من البسيط إلى المعقد او من الكل إلى الجزء بما يتناسب وطبيعة المادة التعليمية، مع مراعاة إتقان مهارة الأداء الصوتي، والحركي للدمية، فنحن نتحدث عن المُعلم الفنان وليس التقليدي.
* امتلاك المُعلم المواهب الفنية يُسهم في خدمة التلاميذ.. كيف ترين ذلك؟
- المُعلم الفنان بالطبع يمتلك القدرة على الابتكار، بالإضافة إلى امتلاكه الى المهارات التخصصية في مجال عمله، ولا يقتصر ذلك على الجانب العلمي والمعرفي فقط، بل يشمل ذلك اتقانه للمادة الدراسية في طريقة تناوله لها بأسلوب مُميز يساعد التلميذ على حب واستيعاب المادة، فعلى سبيل المثال أشير لبعض التجارب الفنية التي يمكن لمدرس مادة اللغة العربية استثمارها عبر الدمى، ومنها تجسيد الحروف اللغة العربية بهيئة دمى ناطقة مثلاً حروف "الجيم، والحاء، والخاء"، التي يمكن صناعتها بوصفها دُّمى تعليمية من خام الإسفنج وغيرها من المواد كالفرو وخيوط الصوف لتقدم مشهدًا حواريًا يقارن بين هذه الحروف من حيث الفونيم الصوتي لها واشكال كتابتها فضلًا عن اعطاء الأمثلة على توظيفها كحروف تأتي بداية الكلمات أو وسطها أو نهايتها.
وهناك أفكار عديدة يمكن توظيفها عن طريق الدُّمى التعليمية لإيصال المواد الدراسية للمتلقي التلميذ في اي تخصص كان، فالدُّمية ليست لها قاعدة أو قانون محدد، بل أنها تُصنع من الخامات المتوافرة من البيئة المحيطة مثل الخشب، والكرتون، والإسفنج، والأقمشة، والورق، والقطن، والفلين، أو أي مادة وبالطرق المبسطة كي تحقق التأثير المطلوب .
* هل مسرحة المواد الدراسية يقضي على جمودها وجفافها؟
- مسرحة المناهج التعليمية أو مهارة صنع السيناريو للتلاميذ من خلال الدمية بوصفها وسيلة تعليمية لا تتم بشكل اعتباطي، بل لا بد أن تكون عن دراية وقصدية مدروسة وهذا لا يتم كما قلت الاّ من خلال ادخال المعلمين لدورات تأهيلية في هذا المجال، كما أن لمسرحة المناهج أهمية كبيرة في المواقف التعليمية ذلك أنها تساعد على تبسيط ما تحتويه المادة التعليمية من مفاهيم مجردة وأفكار ومعلومات ومهارات قد يصعب استيعابها بالطريقة التقليدية، ولذا فأن تحويلها إلى مشهد تمثيلي مشوق عبر الدُّمى كفيل بأن يجعلها سهلة وواضحة واكثر تقبلًا من قبل التلميذ.
* كيف تُثير تحريك الدُّمية اهتمام التلميذ؟
الحركة كما نعلم هي جوهر لغة الصورة والعنصر الأساس في التعبير عن الدلالات الشكلية والوجدانية، وفي هذا الشأن يقول "بوكلوديل": إنه ليس للدمية حياة الا تلك التي تستمدها من الحركة، وبهذا تعد الحركة أحد المقومات الأساسية لها، وهناك قواعد كثيرة أساسية لتحريك الدُّمية التعليمية، لا بد من اتباعها عند توظيف الدمى التعليمية حتى تبدو مقنعة واكثر مصداقية وتأثيرًا في إيصال فكرة ومضمون المحتوى التعليمي، ومنها أوضاع المشي، والتحدث، والضحك، والجلوس، والدوران، وتحريك الفك وفقًا لمخارج الحروف وغيرها من الأوضاع الأساسية في آليات التحريك التي يمكن أن تؤديها الدمية التعليمية .
* لماذا ينظر الكثير للدُّمية أنها لعبة فقط؟
- في الحقيقة الدمية ليست لعبة فقط كما يتصورها البعض، ويعود هذا التصور القاصر تجاه الدٌّمية إلى ضعف الوعي بأهميتها والجهل التام للأدوار الوظيفية التي احتلتها عبر التاريخ، عندما التقيت بمجموعة من المُعلمين والمُعلمات في أثناء البرنامج التدريبي الذي أجريته عليهم في المدة التطبيقية للبحث، وجدت أن الكثير منهم لا سيما المُعلمين ينظر للدُّمية على أنها لعبة فقط، وليس لها تأثير كبير على العملية التعليمية، لهذا عانيت كثيرًا في اقناعهم بجدوى وأثر ما سيخضعون له من تدريب وفقًا لوحدات البرنامج التعليمية، بل أن هناك من مدراء بعض المدارس رفض أن يفرغ لي أحد المُعلمين كي يخضع للبرنامج التدريبي في صناعة وتحريك الدمى! بينما نجد في دول العالم المختلفة أن الدُّمية اخذت مكانتها ومساحتها الحقيقية في العديد من مجالات الحياة، فأخذوا يدخلونها في الجانب العلاجي النفسي، والتربوي، والتعليمي والصحي.. إلخ.
* ما رسالتكِ لجمهور فنون الدُّمى؟
- من حق اي طفل أن يستمتع بالدُّمية وهي تتحدث إليه، وتبهره بحركاتها، وألوانها، وسلوكياتها الجميلة من خلال ما تقدمه من مشاهد درامية أو فرجوية، لهذا أسعى إلى إقامة ورش فنية متخصصة ومحاضرات معنية بفنون الدُّمى وصناعتها وتحريكها، للنهوض بهذا الفن ونشر ثقافته لأن المشكلة الأساسية تكمن في ضعف الوعي بهذا النوع من الفنون، ونحن مستمرون ولا نعرف لغة اليأس.