السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"مدام عفاف" وسلوكياتنا في رمضان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مر أكثر من أسبوع على بدء شهر رمضان الكريم، حيث يصوم أكثر من 1.6 مليار مسلم حول العالم نحو ثلاثين يومًا من الفجر وحتى الغسق، يمتنعون عن الطعام والشراب، والمفروض أيضًا أنهم يمتنعون عن السلوكيات الخاطئة والسلبية ويكثرون من العمل المتقن بإخلاص وضمير، لكننا كمسلمين من أكثر شعوب الأرض صومًا عن الأكل والشرب فقط خلال ساعات النهار بينما نهدر أطنانًا من الطعام عند الإفطار والسحور دون التوقف عند هذه الجريمة، بل لا يعرف بعض الصائمين مِن أهداف الصوم غير تجويعِ النفسِ دون صومٍ عن الشتائم والنميمة والفتن والأنانية والطمع والفساد والإفساد.  
وقد أصابت النائبة أميرة صابر، عضو مجلس النواب، عندما تقدمت بمشروع قانون لمكافحة إهدار الطعام لوقف ما تسببه كثرة استهلاك الأغذية من ضغوط على الأسواق التي ترفع الأسعار ويتضرر منها الفقراء بشدة، وهو ما تسبب أيضا في إهدار حق الأجيال القادمة في هذه الموارد، بالإضافة إلى التلوث البيئي الكبير وضياع المياه وكذلك التعود على البذخ وعدم الترشيد التي تستلزم إعادة النظر في هذه السلوكيات وتشجيع توزيع الطعام المهدر وتدويره والتبرع به. في مقابل ذلك، نلاحظ تزايد ظاهرة سوء التغذية والتقزم لدى أطفال الأسر الفقيرة، خاصة في قرى الصعيد، نتيجة سوء أنماط التغذية. ويمكن الاستفادة من تجارب العديد من الدول في هذا الشأن، مثل تجارب فرنسا وإيطاليا وعدد آخر من دول الاتحاد الأوروبي وكذلك الصين، التي لديها هيئات تشرف على مكافحة هدر الطعام وإعادة تدويره بالتعاون مع المجتمع المدني. 
ومن السلوكيات التي ينبغي أن نغتنم فرصة الصيام للتوقف عندها أيضا أن متوسط ساعات العمل التي لا تزيد في الأيام العادية لدى الموظف العربي عن نصف ساعة تتراجع خلال أيام صوم رمضان إلى أقل من ذلك والمبرر هو الصوم، حيث عشق الكسل والنوم واللامبالاة والمال السهل دون تعب أو إنتاج هو شعار الكثير من الموظفين. وبحسب دراسة أعدها اتحاد تنمية الموارد البشرية فى مصر، يترواح معدل إنتاجية الموظف الحكومى العربى بين 18 و25 دقيقة يوميًا. ولا تختلف الصورة فى مصر، حيث كشفت دراسة أعدتها آية ماهر، أستاذ الموارد البشرية بالجامعة الأمريكية، أن الموظف المصري يعمل نصف ساعة فقط يوميا من إجمالى 7 ساعات، رغم حصول 95% من الموظفين على امتياز فى تقاريرهم السرية، حتى أنَّ المصريين ابتكروا تعبير "مدام عفاف" لوصف الموظف الذي يتقن التهرب من أداء وظيفته!
فليت رمضان يحفزنا على تغيير سلوك "مدام عفاف" وغيرها من السلوكيات الخاطئة فنفهم رسالة هذا الشهر الفضيل لنا وكيف أنه أفضل وقت للعمل على تحسين الذات. فكم مناَّ يستغل رمضان ليدرب نفسه على تحسين الذات والتفكير في كيفية تطويرها ومواجهة تحدٍ مهمٍّ وهو تربية النفس على المزيد من الصبر والتأمُّلِ وتحفيز الضمير وبذل الجهد للتفكير في الآخرين أيضًا، وكيفية تقديم خدمات أفضل للمواطنين وخاصة أولئك الذين قد يكونون أقل حظًا منا. 
وخيرا فعل مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير عندما اتفق مع الأطراف المسئولة عن تنظيم الحج على عدم السماح بالحج على نفقة الدولة أو أي من الجهات التابعة لها هذا العام، في إطار تطبيق مبدأ فقه الأولويات، بالنظر إلى كون أن سد احتياجات المحتاجين أولى ألف مرة وأعظم أجرًا وأعلى ثوابًا من تكرار الحج والعمرة. ولعلّ التبرع بقيمة الحج والعمرة في هذا الشهر لمن سبق لهم الحج والعمرة مرة وأكثر ليس أقل فضلا وثوابا من الصدقات وإخراج الزكاة. لن أتحدث بإسهاب عن زكاة الركاز والمقصود بها الثروات الناتجة عن كل ما يخرج من الأرض - والمفروض أن يتم إخراج 20 % عنها زكاةً - وتقدر بحوالي 4 مليارات دولار يوميًا في الدول التي تدين بالإسلام، وهي حصيلة ضخمة تكفي للقضاء على الفقر والجوع والخصاصة وسوء التغذية. 
فهل نحتاج رمضان لنتذكر أيضا أن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمس التي بُني عليها الإسلام؟! الإجابة نعم.. نحتاج لتذكر كل القيم التي جاء بها رمضان وبُني عليها الهدف من الصيام وهو الاقتراب من الله من خلال العبادات وكيف يكون بمثابة معسكر تدريبي مكثف لمدة شهر لتطهير النفس والروح وعمل الخير وهذا لا يعني مجرد قراءة القرآن والصلاة؛ في الإسلام تذكروا ما ينساه الكثيرون منا وهو أن العبادة يمكن أن تكون أيضًا السعي وراء العلم والمعرفة والعمل الجاد ومساعدة المحيط والمجتمع وأداء الصدقة والزكاة والتطوع من أجل نهضة النفس والغير من المحتاجين والقيام بواجبنا للوقوف بجانبهم بأي طريقة ممكنة. 
سيظل رمضان يذكرنا بكرم الله الهائل وكم نحن محظوظون لأننا قادرون على الاستمتاع بالحياة ومباهجها في وقت يعيش الملايين من حولنا في حرمان وخصاصة وصراعات وحروب. فدعونا نتعهد جميعًا في رمضان هذا العام بجعل محيطنا ومن حولنا أكثر أمانًا وأقل احتياجا، ولنكن بذلك شاكرين لله سبحانه وتعالى على كل ما منحه لنا من لطف وكرم ونعم، حيث يوفر لنا فرصة لاستكشاف الجانب الأكثر إنسانية من شخصياتنا.
olfa@aucegypt.edu