من أروع الأوقاف، ما قام به الملك العادل «نور الدين محمود زنكي» الذى شعر بحاجة الفقراء إلى الإحساس بالجمال، والتفاعل مع الطبيعة، والاستمتاع بالحياة، فأوقف لهم أحد القصور فى قرية «داريا» فى غوطة دمشق ليستنشقوا بعضًا مما ترتاح إليه النفس من الهواء المنعش، وجميل الزهور، حتى لا يذبل إحساس الجمال فى نفوسهم، وفى الدولة العثمانية، تنوعت أوقاف السلطان «أورخان غازي» (المتوفى: ٧٦١هـ) ومنها: توزيع الفاكهة والخضار، وتأمين إرضاع الصغار، بل وشراء لعب للأطفال، وإطعام الطيور والحيوانات، وفى القرن السادس عشر الميلادى كانت أكثر من ٢٠٪ من الأراضى فى الدولة العثمانية تخص الأوقاف.
ورحم الوقف الحيوانات والطيور، فكان أحد أعيان مدينة «فاس» المغربية، وهو"محمد بن موسى الحلفاوى الإشبيلي» (المتوفى: ٧٥٨هـ) أوقف دارا للحيوانات الأليفة، وكان يطعمها بيده، وفى «فاس» فى القرن السابع الهجرى، كانت هناك أوقاف لشراء الحبوب لإطعام الطيور، حتى لا تهلك، وكانت مستشفى «سيدى فرج» بفاس، تقوم بمهمة عجيبة وهى علاج طائر «اللقلاق» إذا تعرض للانكسار أو الأذى، فكان الطير يُحمل إلى المستشفى، ويصرف غذاؤه لمن يضمده ويطعمه.
أوقاف المرضى
الوقف فى المجال الصحى هو نظام تبرع وإدارة فى الوقت ذاته، فكان يضمن الإنفاق وطريقة إدارته واستمرار ديمومته رعاية لصحة الفقير، وعلاجا لمرضه، لذا انتشرت البيمارستانات (المستشفيات) فى العواصم والحواضر الإسلامية، مثل: بغداد، ودمشق، والقاهرة، والقدس، وفاس، وخصصت لها احتياجات تشغيلها من تأثيث وطعام وأدوية، وأطباء مهرة، وممرضين، وعمال، فكان المريض الفقير يجد فيها الرحمة والعلاج والرعاية فى أجواء من حفظ الكرامة.
وفى منتصف القرن الثانى عشر الميلادى كان يوجد فى بغداد وحدها أكثر من ستين بيمارستانًا، وفى قرطبة أكثر من خمسين، وفى القاهرة كان «البيمارستان المنصوري» الذى أوقفه الملك.
