من معالم عظمة مصر وتقدمها، أنها عرفت الإله الواحد، وقدّسته بل وتقرّبت له وقدمت له القرابين، واتخذت مقدسًا من نبات أو طير أو حيوان واعتبرته رمزًا للخير الذى فاض به الرب على شعب مصر، بل ورفعت هذا المُقدس وأعلت من شأنه وبنت له المعابد ونقشت رموزه على جدران المعابد وأطلقت عليه لقب الإله. لم يكن لقب الإله الذى أطلق على هذه المقدسات مقصود به الإله الأكبر خالق الكون، وإنما إله خاص بشأن معين من شئون الحياة، كالزراعة والخصوبة، والنيل، والهواء، كنوع من أنواع العرفان والشكر لهذا المُقدس وفق المعتقد المصرى القديم. خلال الشهر الفضيل تصحبكم «البوابة» فى رحلة للتعرف على أشهر مقدسات مصر القديمة.
الإله أنوبيس إله الموتى هو إله المقبرة، وإله التحنيط، وهو يحمى مقبرة المصريين القدماء، وكان هو الشخص الذى يفتح الأبواب للعالم الآخر، وكان يصور أنوبيس كابن رع، وأما فى نصوص التوابيت، والتى كانت مكتوبة فى الفترة الانتقالية الأولى (٢١٨١-٢٠٥٥ ق.م)، كان أنوبيس هو ابن الإلهة ذات شكل البقرة حسات أو باستيت التى تحمل رأس القط.
الإله «أنوبيس» هو الابن الرابع للمعبود «رع»، وفى رواية أخرى فى العصر المتأخر ذكرت أن «نبت حات» نفتيس قد حملت به من «أوزير"؛ وخوفاً من زوجها «ست» ألقت به فى مكان ما بالدلتا، ولكن «إيزة» وجدته وصار حارسها، ولذا يقال أن «إنبـو» هو «ابن إيـزة».
ولقد صور أنوبيس فى أسطورة الولادة الإلهية للفرعون حتشبسوت والفرعون أمنحوتب الثالث، ولقد صور المعبود الذى برأس ابن آوى، على قطعة الكارتوناج المعروضة، وقد أتى حاملا قرص القمر، متمنيا للمتوفى طول البقاء فى الحياة الآخرة، وهو يرتدى صدرية ذهبية، ونقبة قصيرة بذيل طويل يتدلى من الأمام، وزوجا من الصنادل. وتتدلى قطعة قماش بيضاء عريضة من الخلف، ملامسة للقدمين.
حمل المعبود «أنوبيس» العديد من الألقاب، مثل: «خنتى إمنتيو»، أى: إمام الغربيين، إشارة إلى الموتى المدفونين فى المقابر فى الغرب، وهو من ألقاب «أوزير» أيضاً، وعرف أيضاً باللقب «خنتى سَح نثر»، يعتبر «أنوبيس «سيد الجبانة، فهو الذى يقوم بحماية الموتى، أنوبيس هو رب التحنيط، كان يتمثل فى هيئة رجل برأس ابن آوى أو ابن آوى أسود اللون.
كان أنوبيس هو رب الموتى، عُبد فى «القيس» عاصمة الإقليم السابع عشر من أقاليم مصر العليا، والذى كان يُعرف باسم» إنبـو»، وعرفه اليونانيون باسم «كينوبوليس»، أى «مدينة الكلب».
حظى أنوبيس بمكانة فى العبادة والتقديس نظراً للدور الذى لعبه فى قصة «أوزير»، حيث قام «أنوبيس» بتحنيطه وإقامة الطقوس والشعائر له، وقد اكتسب اللون فى هيئته من لون الجسد بعد تحنيطه.
لعب «أنوبيس» دورًا رئيسًا فى عملية التحنيط، والذى يعد أهم أدواره، إذ يقوم بعملية تطهير الجثة ودهنها وتحنيطها، ثم لفها فى اللفائف الكتانية، وقد ارتبط بعملية التحنيط من خلال دوره فى تحنيط المعبود «أوزير»، لذا أصبح لدى المصريين حامى كلا من المومياء والمقبرة، ويُعتقد أنه أول مُحنط حيث قام بتحنيط جسد أوزوريس.
يتكون رمز الإله أنوبيس من جلد حيوان مُقيد من أطرافه الأربعة على قائم خشبى، فصلت رأسه وقطعت مخالبه وهذا الشكل قُصد به التعبير عن هيئة مسالمة لهذا الحيوان، وقد تباينت الآراء حول تفسير رمزه، فرأى البعض أنه عبارة عن جلد معلق فوق دعامة من نبات مثبت على قاعدة، فى حين يرى البعض الآخر أنه ثور منقط باللون الأسود والأبيض، مذبوح حديثاً ومعلق على دعامة، ويُقطر منه الدم فى إناء، ومن أشهر رموزه أيضاً سعف أشجار ذكور النخيل، باعتباره من علامات الجبانة. ارتبط «أنوبيس» بالعديد من الأرباب، فقد ارتبط بالمعبود «أوزير» فى علاقة وثيقة بوصفه رب الموتى وكون «أنوبيس» ابناً لأوزير، كما اكتسب «أنوبيس» صبغة اللون الأسود الخاص بأوزير، علاوة على أن «أنوبيس» هو الذى قام بتحنيط «أوزير»، وظهر المعبودان معاً فى محكمة الموتى، وفى العديد من النصوص والمناظر.
كما ارتبط أنوبيس بأبناء «حورس» الأربعة، والذين أطلقت أسماؤهم على الأوانى الكانوبية الخاصة بالتحنيط، وخُص كل واحد منهم بحماية محتويات أحد هذه الأوانى.