تحتفل مصر هذه الأيام باختيار "القاهرة" عاصمة للثقافة في العالم الإسلامى لعام 2022 حيث ستنطلق احتفاليات بداية من 10 أبريل الجارى بسور القاهرة الشمالى تتضمن مجموعة متنوعة من الأنشطة والفعاليات الثقافية بالتعاون مع منظمة «إيسيسكو»، وبمشاركة جميع الهيئات والقطاعات بوزارة الثقافة ويبلغ عددها ما يقرب من 50 فعالية احتفالية، وستنظم مكتبة الإسكندرية والجمعية العربية للعلوم والثقافة والتنمية معرضًا تحت عنوان "محكى رمضان زمان بالقاهرة"، وذلك يوم الثلاثاء المقبل 12 أبريل 2022 بمقر بيت السنارى الأثرى بحى السيدة زينب بالقاهرة التابع لمكتبة الإسكندرية.
وفى ضوء ذلك يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار إلى أن هذا الاختيار جاء تكليلًا لجهود الحكومة ممثلة فى وزارة الثقافة ووزارة السياحة والآثار فى الحرص على تطوير وإعادة توظيف المنشئات الأثرية والتراثية بالقاهرة التاريخية المسجلة تراث عالمى منذ عام 1979 والترويج لها ولأنشطتها الثقافية المختلفة على المستوى المحلى والإقليمى والدولى وربط المجتمات المحلية خاصة والمجتمع المصرى عامة بهذه المواقع فى أنشطة توعية مستمرة تعزز من قيمة هذه المواقع وتحافظ عليها وذلك بفضل توجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى المستمرة وحرصه على متابعة كل هذه الإنجازات بنفسه .
ويضيف الدكتور ريحان أن الحضارة الإسلامية اهتمت بالنواحي الدينية والمدنية فكانت مزيجًا بين العقل والروح تحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض الأمم والشعوب، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والإبداع وظهرت منشئات مختلفة دينية وحربية ومدنية وكان لطبيعة بعض هذه المنشئات وظائف خيرية ومنها الكتاتيب لتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم الأطفال والشباب، إذ أمر أسرى المشركين عقب غزوة بَدْر أن يُعلِّم كل واحد منهم "عشرةً من الغلمان الكتابة، ويخلِّي سبيله والتى ساهمت فى تعلم زيدُ بن ثابتٍ الكتابةَ.
وعرفوا السبيل وتسمى أيضا السبيلخانه وهو وقف لسقي الماء لعابري السبيل والمارة، وكان المسلمون يعتبرون السبيل أعظم ما يثاب عليه المرء من أعمال البر عملًا بالحديث الشريف عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ " سَقْيُ الْمَاءِ " وكانت السبيل تبنى ملحقة بمبان أخرى مثل المساجد أو المدارس أو الخانقاوات ثم أصبحت مستقلة ويلحق بها أحيانًا بناءً لتحفيظ القرآن الكريم .
كما عرفوا المزملة وهى دخلة عميقة مستطيلة الشكل توجد على أحد جانبى الدهليز المؤدى الى صحن المساجد والمدارس الإسلامية ويغطى تلك الدخلة حجاب من خشب الخرط يتوسطه باب ذى مصراعين ويوضع داخل هذه الدخلة قدور فخارية مملوءة بالماء وتكسى هذه القدور أو تلف أو تزمل بالقماش المبلول لحفظ الماء من العفن.
ويشير الدكتور ريحان إلى الخانقاه، بالقاف والكاف، جمعها خوانق وخانقوات، وهى كلمة مركبة من أصل فارسي ومعناها دار التعبد الذى يقيم بها مجموعة من المسلمين منقطعين للعبادة معتمدين على ما يوقفه عليهم الأغنياء من مأكل وملبس والتى تغير مسماها فى العصر العثمانى لتصبح تكايا تؤدي الوظيفة نفسها لإقامة المنقطعين للعبادة من المتصوفة مع إضافة دورًا آخر وهو علاج المرضى الدور الذي كانت تقوم به البيمارستانات في العصر الأيوبي والمملوكي، ومع بداية العصر العثماني أهمل أمر البيمارستانات وأضيفت مهمتها إلى التكايا، وكانت البيمارستانات منذ بداية ظهورها تقوم على علاج العديد من الأمراض حتى تضاءلت مواردها، وأغلق أو تهدم الكثير منها مع الزمن وتحول بعضها إلى مكان لعلاج الأمراض النفسية فقط.
ويرصد الدكتور ريحان نماذج من هذه المنشئات طبقًا لدراسة أثرية للباحث فى الآثار الإسلامية أبو العلا خليل مشيرًا إلى كتّاب العلائى بشارع المعز لدين الله الفاطمى ويمثل الأثر بقايا كتاب الأمير أرغون العلائى الذى يقع على يسار الداخل إلى مجموعة السلطان المنصور قلاوون بشارع المعزلدين الله والتى تضم القبة الضريحية والمدرسة والبيمارستان ويتكون من بائكة من أربعة عقود متجاورة ومنشئ هذا الأثر هو الأمير أرغون العلائى الناصرى عام 746هـ على عهد السلطان المملوكى الكامل شعبان بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون، وهذه العقود هى بقايا كتاب أنشأه الأمير أرغون وخصصه لتعليم أيتام المسلمين القرآن الكريم وكان هذا الكتاب ضمن عدة أعمال أقامها أرغون حين كان مشرفًا على البيمارستان أى المستشفى المنصورى بداخل مجموعة السلطان المنصور قلاوون وكان أرغون أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون ولذا عرف بأرغون الناصرى وقد تهدم هذا الكتاب وبقى منه هذه العقود.
وينوه الدكتور ريحان إلى سبيل لسقى العطشى من المارة ومدفن لصاحب المنشأة وهو الفقيه حسن بازناده أفندى نقيب الأشراف بمصر من عهد الوالى العثمانى محمد باشا رامى حين كانت مصر ولاية تابعة للسلطان العثمانى بأسطنبول عام 1116هـ / 1704م، وقد أقام الشريف حسن أفندى سبيله بشارع سيدى عقبة بالإمام الشافعى لسقى العطشى من المارة وهو من أقرب القربات لعل يصل إليه دعاء المرتوين من مائه له ولأجداده الراقدين بمدافنهم بجوارالسبيل، ويعلو شباك التسبيل النص الإنشائى التالى (أنشأ هذا السبيل ابتغاء مرضاة الله تعالى الفقيه السيد حسن بازناده نقيب الأشراف بمصر سنة 1116هـ)، والأشراف هم أصحاب الشرف بنسبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولى أمرهم "نقيب الأشراف" وهو المسئول عن حفظ قوائم المنتمين إلى السلالة النبوية الشريفة ويوزع عليهم المخصصات النقدية أو العينية المقررة لهم من الخزانة وكانت الدول العثمانية حريصة على تعيين نقيبًا تركيًا للأشراف فى مصر
ولفت الدكتور ريحان إلى مجموعة السلطان المنصور قلاوون الصالحى الذى أنشأها فيما بين عامى 683 - 684هـ ، 1284- 1285م على أطلال القصر الفاطمى الغربى، وتتكون من مسجد وبيمارستان (مستشفى) زودت بالأطباء والصيادلة فى جميع التخصصات، وقبة دفن بها السلطان تعد من أجمل قباب القاهرة تعكس أروع العناصر الزخرفية الخشبية والرخامية والجصية والزجاجية الملونة فى العصر المملوكى، ومدرسة لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة ومئذنة تعد من أضخم مآذن مصر.
وأشار إلى بيمارستان قلاوون الذى بناه للعامة والخاصة للفقراء والأغنياء وكان به أول مستشفى للطب النفسى فى العالم ومن هنا تحولت كلمة بيمارستان إلى مورستان وكان العلاج بالمجان وهدم جزء من المستشفى وبنيت على أطلاله مستشفى العيون والأسنان التى تعمل حتى الآن
ويتكون البيمارستان من بناء كبير فقد أحد أجزائه بسبب الزلازل بمنتصفه إيوانين بينهما مجرى مائي كشكل جمالى فى المستشفى ولأن صوت الماء يعمل على تهدئة الأعصاب المبانى ويضم غرفًا لإقامة المرضى، وكان بقسم الطب النفسى بالمستشفى فناء بمنتصفه حوض يحوى مياه كبريتية لتهدئة الأعصاب وعددًا من الغرف متصلة ببعضها ومفتوحة كانت تستخدم لجلوس المرضى مع الأطباء للاستماع اليهم وكان هناك جزءًا مخصص للرجل وآخر للنساء، وأن سبب بناء البيمارستان أن السلطان قلاوون مرض وسافر للعلاج فى بيمارستان السلطان محمود الدين زنكى عم صلاح الدين الأيوبى وندر ندرًا إذا تم شفاه سيقوم ببناء بيمارستان لعلاج العامة والخاصة الغنى والفقير.