الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فتحي سليمان مبدع كبير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مات الكاتب مجيد طوبيا الذي أهدى المكتبة إبداعات روائية  متميزة وأهدى السينما المصرية ثلاثة أفلام على رأسها فيلم أبناء الصمت، مات مجيد طوبيا ومع موته أهدانا نموذجا للإنسانية النبيلة حتى نحتفل بتلك الهدية ونزهو ونتفاخر، وجاءت هديته التي تزامنت مع موته في صورة واحد من أبناء  جيلنا وهو الكاتب الروائي المبدع فتحي سليمان.
الربط المباشر بين اسم الراحل الكبير مجيد طوبيا ومبدعنا الكبير فتحي سليمان لا علاقة له بنوع أدبي أو مدرسة فنية انتمى لها كلاهما، ولكن الربط المباشر هنا ينعقد في الدرس الإنساني البليغ الذي أعطاه لنا سليمان عن طيب خاطر.
قبل عشر سنوات انتظم طوبيا وسليمان على اللقاء في مقهى بمصر الجديدة وينضم لهما بين حين وآخر رموز ثقافية ملهمة ينسجون الأحلام دون انفصال عن أوجاع الوطن.
طوبيا الذي عاش وحيدا تداهمه الأمراض وتحاصره جدران شقته ليجلس في زاوية منها كطفل ينتظر عودة أبويه من الغياب، هنا يتجلى فتحي سليمان ليمنحنا الأمل بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، نسخة من مفتاح شقة طوبيا في جيب فتحي وروتين يومي لم ينقطع، زيارة ثابتة وواجب مقدس دون شكوى أو تبرم أو مكابره، يطهو ل طوبيا طعامه، يشرف على تناوله الدواء، يهتم بمواعيد نوم وصحو كاتبنا الكبير، متابعة كل كبيرة وصغيرة لأديبنا الراحل، التواصل مع دور النشر التي قررت إعادة طبع أعمال مجيد طوبيا، كل هذا المجهود الوافر وكأن الله قد منح طوبيا ولدا، وكأن فتحي سليمان نصف نبي يضحي بوقته وجهده وأعصابه ومشروعه الكتابي من أجل راحة مجيد طوبيا.
الصعب في موقف فتحي سليمان هو أنه يمتلك مشروعا إبداعيا متميزا في الرواية وأنه في حاجة إلى كل لحظة من وقته ليضع بصمته على أعماله وبالرغم من ذلك استطاع جدولة يومه ما بين عمله الإبداعي وواجبه المقدس نحو مجيد طوبيا، فتحي سليمان الذي قدم لنا روايات متميزة أدعوكم للبحث عنها والاحتفال بها وهي " على محطة فاتن حمامه" و"بولاق أبوالعلا" و"شاي باللبن في الزمالك".. لم يجد سليمان أي غضاضة في اقتطاع مساحة من وقته وعمره وإبداعه ليمنحهم إلى الكاتب الكبير مجيد طوبيا الذي عانى في سنواته الأخيره من الزهايمر ولم يعرف من الدنيا سوى وجه فتحي البشوش وهو يفتح الباب مبكرا ليلقى عليه تحية الصباح "صباح الخير يا ميجو".
كنت من المحظوظين عندما تعرفت قبل سنوات بالمبدع الكبير فتحي سليمان في محيط وسط البلد، أغيب عن مصر للعمل بالخارج وأعود، يلقاني متشوقا بمحبة صادقة، لذلك لم أتعجب من دوره بالغ الإنسانية مع كاتبنا مجيد طوبيا. 
فتحي سليمان يقترب عمره الآن من خمسة وستين عاما ويعيش بقلب طفل لا يعرف تشوهات الوسط الثقافي، يعيش فخورا بكونه واحدا من المعافرين خمسة وستون عاما عاشهم بشلل الأطفال ولم يشك، أدى مدة خدمته العسكرية كاملة وخرج في نهاية المدة غير لائق طبيا ولم يشك، كان من حقه وظيفة ضمن حصة الـ 5 في المئة ولم يحصل عليها ولم يشك، يتركنا نمضغ الكلام على مقاهي وسط البلد ويعود مسرعا إلى مجيد طوبيا لكي يطمئن أن الغطاء محكم على جسده وهو نائم في برد الشتاء.
درس عظيم ومدرسة لا أستطيع الانتماء إليها، من أعماق قلوبنا نشكرك فتحي سليمان ونقدم لك كل العزاء صادق العزاء لوفاة مبدعنا الكبير مجيد طوبيا، والآن معك مساحة الوقت كافية لتتفرغ وتكتب لنا ما حرمت نفسك من كتابته فقد رحل طوبيا وترك لك نفسك ووقتك وروحك حتى تمنحنا رواية جديدة.