ارتبط مثل هذا اليوم، ٩ رمضان ١٣٩١ هجرية «١٩٧١ ميلادية»، بذكرى حادث أليم في تاريخ الثقافة المصرية، حين تعرضت دار الأوبرا الخديوية لحريق كبير، استمر لمدة ٦ ساعات، دمر مبناها المُصمم من الخشب، وفقدنا أثرًا تاريخيًا، ظل منارة ثقافية طوال ١٠٢ عام.
بالعودة للتاريخ القديم، نجد أن المصريين من أوائل شعوب العالم اهتمامًا بالفن والثقافة، وهو ما سجلته نقوش جدران المعابد، التي ظهر فيها مدى اهتمام المصري القديم بفنون الموسيقى والغناء والرقص.
ويعود إنشاء الأوبرا المصرية إلى فترة تولي الخديوى إسماعيل حُكم مصر. أَمَرَ خامس حكام الأسرة العلوية بإنشاء أوبرا، لا تقل عن مثيلاتها في العالم، للاحتفال بافتتاح قناة السويس. ووضع تصميم الأوبرا المهندسان الإيطاليان بيترو أفوسكاني وروتسيي، وكانت تسع لـ٨٥٠ مقعدًا.
أُنشئت الأوبرا الخديوية في وقت قياسي، خلال شهور قليلة، وبتكلفة وصلت لـ١٦٠ ألف جنيه. كان من المُخطط أن يتم افتتاحها بعرض «أوبرا عايدة» الذي كتبه الفرنسي مارييت باشا مدير الآثار المصرية، ووضع لحنه الموسيقي الإيطالي «فيردي»، لكن الظروف أحالت دون ذلك.
وفي نوفمبر ١٨٦٩، افتُتحت الأوبرا المصرية القديمة، وموقعها بين منطقة الأزبكية وميدان الإسماعيلية «ميدان التحرير حاليًا»، وقدمت أول عروضها أوبرا ريجوليتو في الافتتاح، بحضور الخديوي إسماعيل والإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث وملك النمسا وولي عهد بروسيا.
كانت الأوبرا الخديوية الأولي من نوعها في قارة أفريقيا، واُعتبر مسرحها واحدًا من أوسع مسارح العالم رقعة، واستعدادًا، وفخامة. لكن في مثل هذا اليوم ٩ رمضان ١٣٩١ (٢٨ أكتوبر ١٩٧١)، تعرضت لحريق كبير، دمر مبناها، ولم يتبق منها سوى تمثالي الرخاء ونهضة الفنون، للفنان محمد حسن.
في الثمانينيات، تم التجهيز لبناء دار الأوبرا المصرية الجديدة عن طريق منحة من الحكومة اليابانية لنظيرتها المصرية. قامت هيئة التعاون العالمية اليابانية (JICA) بالتنسيق مع وزارة الثقافة المصرية، وتم الاتفاق على تصميم للأوبرا الجديدة يتسم بالطابع المعماري الإسلامي الحديث.
استمر العمل في إنشاء الأوبرا المصرية على أرض الجزيرة بالقاهرة، حوالي ٣٤ شهرا. أنشئت على مساحة إجمالية ٢٢ ألفا و٧٧٢ مترا مُربعا، أما مساحة المبنى نفسه فهي ١٣ ألفا و٨٥٥ ألف متر مُربع، تضم ٣ مسارح (الكبير ١٢٠٠ مقعد، والصغير ٥٠٠، والمكشوف ٦٠٠ مقعد).
وفي أكتوبر١٩٨٨، اُفتتحت دار الأوبرا المصرية. وتضم حاليًا، فرقة باليه أوبرا القاهرة، وأوركسترا القاهرة السيمفوني، والفرقة القومية للموسيقى العربية، وفرقة الرقص المسرحي الحديث، بالإضافة لعدة مراكز ثقافية منها؛ قصر الفنون، ومركز الهناجر للفنون، ونقابة الفنانين التشكيليين، ومكتبة الأوبرا الموسيقية، ومركز الإبداع الفني، ومتحف الفن الحديث.
ومُنذ افتتاحها، تنظم الأوبرا مهرجان ومؤتمر الموسيقى والغناء، ومهرجان القلعة للغناء. كما تقيم صالونات ثقافية ومعارض فن تشكيلي ومهرجانات موسيقية صيفية لفرق الهواة. وتعرض أعمال كبار الفنانين والفرق العالمية باتجاهاتها المختلفة. كما يمتد نشاط الأوبرا المصرية خارج القاهرة، في أوبرا الإسكندرية، وأوبرا دمنهور التي تنظم مهرجانًا سنويًا للفنون الشعبية والفولكلور.