الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البحث عن هوية للاقتصاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


انشغلت النخبة المصرية منذ نصف قرن فى نظريات الاصلاح السياسى والاجتماعى فى الوقت نفسه الذى استبعدوا فيه الإصلاح الاقتصادى، واعتبروه شأنا من شئون السلطة رغم أنه من البدهيات لا إصلاح سياسيا بدون إصلاح اقتصادى إذا هناك خلاف مزمن بين مَن يعتقدون أن نظام السوق الحرة قادرة على إحداث تنمية اقتصادية بكفاءة، وبين من يعتقدون أن دور الدولة حاكم فى التنمية ولا يمكن الاستغناء عنه. الفريق الأول يبالغ فى ذكر الحالات التى تفشل فيها الدولة، والفريق الثانى يبالغ فى ذكر الحالات التى تفشل فيها السوق. وعادة ما يصل النقاش بين الفريقين إلى حد تبادل الاتهامات، وفى النهاية تحل الأيديولوجيات المسبقة محل التفكير المنطقى. وإذا كان دستور 2014 قد وصف هوية النظام الاقتصادى المصرى بأنه «سوق حرة منضبطة»، فهذا التوصيف يترك مساحة كبيرة لعدم اليقين. من هنا كان الاجتهاد لفهم هوية الاقتصاد المصرى فرض عين علينا جميعًا.ولهذا ليس من قبيل السفسطة البحث الآن عن هوية مصر الاقتصادية فقد جربت هذه البلاد كل النظريات الاقتصادية بعد وضع اللمسة المصرية عليها، فكانت أشبه بمن يرتدى زيا غير ملائم له، إما أوسع من المطلوب، وإما أضيق من المطلوب، بمعنى أن الأمة المصرية لم تجلس لتختار هويتها الاقتصادية، ولكن كان يفرض على الناس كل عقد توجهات مختلفة تماما، ومن ثَمَّ لم تأخذ أى تجربة اقتصادية الفرصة لتنضج ويؤمن بها الناس، وكان أن عاشت النخبة فى صراع أيديولوجى على طريقة أولتراس الأهلى والزمالك بدون البحث عن نظرية أو حل ثالث بين الرأسمالية والاشتراكية كحل وسط أو انتقالى ريثما يتم تمهيد البنية الأساسية لأى نظام اقتصادي، وكان البديل الوحيد الخضوع لروشتة صندوق النقد الدولى بعد أن عجزنا عن حل أمراض الاقتصاد المزمنة خاصة أن البعض يرى أن الرأسمالية الشاملة هى الحل بدون حساب أن ثلث الشعب يعيش تحت خط الفقر والثلث الثانى يقترب منهم، ومن ثَمَّ لا تستطيع أمة اعتماد اقتصاد السوق، منهجا لأن ثلثى الأمة لا يستطيعان تحمل التبعات؛ ذلك أن هذا النمط عندما يطبق فى مثل تلك التركيبة الطبقية تصبح الرأسمالية الأولى أكثر توحشا، وتحتاج إلى برامج ضخمة للحماية الاجتماعية حتى تتوازن فيما بعد وتصل لمرحلة أكثر عدالة فى توزيع الدخل بعد الوصول لسياسات ضريبية عادلة، ولكن خبراء العلوم الاقتصادية يعرفون أن تلك المرحلة تأخذ وقتا وعقودا من الزمان، وبالطبع هناك صراعات ومشكلات كثيرة خلال فترات التطبيق الانتقالية، وربما تؤدى لزيادة الفقراء إن لم تبادر السلطة بالبدء فى المشروعات قصيرة الأجل لتمتص طموحات ضحايا السوق وبشرط التخطيط لنمو اقتصادى لاتسيطر فيه فئة صغيرة على أغلب مكاسب صفقات السوق، ذلك أن أن المشكلات إننا نريد تطبيق نظريات وتجارب الآخرين بدون أن نمر بالمراحل التى مروا بها أى أننا نطبق النظرية من فوق كما لو أننا نريد الحصاد بدون أن نزرع، ثم رحنا نعادى الاشتراكية والرأسمالية وتلصق بهما خطايا التطبيق المصرى الخاطئ، فكان الانفتاح استهلاكا بدون انتاج والاشتراكية اقتسام الفقر، وتدعيم مبدأ الحقوق بلا واجبات.ً فكانت المحسوبية والفساد وسادت دولة الموظفين لكى تحيا الاشتراكية ويتدهور الاقتصاد ويزداد الفقراء فقرا بدون تفعيل آليات المحاسبة 
وربما من المناسب الآن الاشادة برؤية الرئيس السيسى فى برنامج الاصلاح الاقتصادى الذى ذهب للصعب بحل المشكلات من الجذور ولم يعتمد على الترقيع وترحيل المشكلات للأجيال المقبلة ثم إن الرجل لايمل فى كل لقاء من شرح وتبسيط الوضع الاقتصادى بالتفصيل وتعريف الأمة بالدخل القومى وبنود الصرف حتى لايصبح الشعب مفعولا به ومحلا للتجارب والمذاهب الاقتصادية، لأن أى إنجاز دون إطار اقتصادى واضح يفهمه الشعب ويرضى به وبتضحياته لن يكتب له الدوام وهنا لابد أن يكون الفقراء هم الأولى بالرعاية، وخلق فرص عمل حقيقية لتحسين أحوالهم بالعمل والعرق وليس بالإحسان اليهم وذلك هو الهم الأول للأغلبية بغض النظر عن تصنيفه الأيديولوجي، والأمر هكذا فإن هذا البلد يحتاج إلى رؤية اقتصادية معلومة للكافة ومقبولة لتصبح بوصلة لكل المؤسسات بعيدا عن الوصفات الجاهزة والمعدة سلفا