أيام فارقة نعيشها في تاريخ الإنسانية داخل رقعة شطرنج سياسي تتحرك فيه قطع الدبابات والقرارات والتلويح باستخدام أسلحة الدمار الشامل.
قطبي العالم يتعاركان ولا يعنيهما ما تتكبده المعركة من دمار اقتصادي للعالم أجمع يتأثر به حتى الأطفال في بلاد تبعد مئات الكيلومترات من روسيا وأوكرانيا.
إن تغير القوى الدولية وظهر الدب الروسي بأنيابه وحجمه الكبير يتولى تحريك قطع الشطرنج طبقًا لتكتيك واستراتيجيات طويلة الأمد مدروسة معلنًا انتصاراته مع كل تحرك يقوم به في الوصول لأهداف محددة يستهدفها، ولا نملك في تلك اللعبة سوى محاولة التحليل واستنباط الحقائق والتوقعات.
في ٢٣ مارس الماضي قرر بوتين بيع الغاز الروسي (بالروبل) مما يثير بعض التساؤلات تساعدنا في استقراء المشهد القادم
هل بيع الغاز الروسي بالروبل يدعم قيمة العملة الروسية، وما أسباب ذلك القرار؟ وما علاقة الاحتياطي الأجنبي للدول بقيمة العملة المحلية؟
هل هذا القرار يجعلنا نفكر يومًا ما في تحصيل إيرادات قناة السويس بالجنية المصري أو أن تبيع دول الخليج البترول بعملتها المحلية كما يردد البعض؟
لماذا تبيع الدول من الأساس بالعملات الأجنبية؟ إذا كان البيع والتعامل بعملتها المحلية قد يفيدها اقتصاديًا ويرفع من قيمة العملة؟
لماذا تقرر دولة ما خفض قيمة عملتها وإفقار مواطنيها؟
ماذا يستهدف بوتين، وإذا كان الاحتياطي الأجنبي لروسيا ٦٤٣ مليار دولار، فلماذا ضعف قيمة الروبل بعد الحرب الأوكرانية؟
عزيزي القارئ أسباب البيع بالعملة الأجنبية هو الاحتياج لزيادة الاحتياطي الأجنبي للدول لسببين
الأول: هو الحفاظ على قيمة عملتها المحلية فالاحتياطي الأجنبي للدول هو ميزان قيمة العملة المحلية لذلك تتجه بعض الدول لتقليل قيمة عملتها أمام العملة الأجنبية لضعف الاحتياطي الأجنبي لديها وللحفاظ على الاقتصاد من التضخم وهو ذات السبب الذي يمنع الدول من طباعة العملة لتسهيل السيولة داخل الدولة حتى لا يزداد التضخم الذي يعني ببساطة شديدة ارتفاع السيولة المالية وارتفاع الطلب أمام المعروض وهذا يدمر اقتصاد أي دولة.
الثاني: هو تسهيل التجارة الخارجية سواء صادرات أو واردات لسهولة التعامل دوليًا لذا يتطلب ذلك الاحتفاظ بالنسبة الأكبر من الاحتياطي الأجنبي في البنوك العالمية خارج الدول وخارج البنوك المحلية.
كما أن قيمة الاحتياطي الأجنبي لها عدة حسابات إما أن تكون قيمة المبلغ حقيقية ومادية كاملة أو تكون مجرد رقم نظري لأن جزء من ذلك المبلغ يعد قروض ومنح بعضها لم تتحصل عليها الدول بعد أو ربما معاملات تجارية ولم تحصل الدولة على مستحقاتها ولكنها تحسب في قيمة الاحتياطي الأجنبي.
على سبيل المثال (س) من الدول لديها احتياطي أجنبي ١٠٠ مليار دولار هذا لا يعني أنها تمتلك ١٠٠ مليار دولار لأنها تحصلت على بعض القروض والمنح ولم تتحصل عليها بعد ولكن مجرد الاتفاق والتعاقد على أي منحة أو قرض يحتسب قيمته ضمن قيمة الاحتياطي الأجنبي للدولة التي تحتفظ بهم خارج حدود دولتهم في خزانات البنوك العالمية وليس البنك الوطنية للدول.
يفسر ذلك لماذا ضعفت قيمة الروبل رغم أن الاحتياطي الأجنبي الروسي يقدر ب٦٢٤،٢ مليار دولار تقريبًا طبقًا لبيانات البنك المركزي الروسي وهو أعلى مستوى في تاريخ روسيا تبلغه الاحتياطي الأجنبي لأن ببساطة لم تمتلك روسيا التصرف بالاحتياطي الأجنبي الحقيقي لوجوده في بنوك داخل الاتحاد الأوروبي وأمريكا ومع حدوث الحرب الأوكرانية تم حظر التعامل مع البنك المركزي الروسي ووضع الغرب يديه على حسابات البنوك الروسية وجُمد الذهب دون وجه حق فلم تعد روسيا تستطيع التصرف في أموالها وهذا أحد أسباب قرار بوتين ببيع الغاز بالروبل.
ذلك القرار المنطقي الذي أجبر الغرب بتوين لفعله، كيف تأمن لأموالك أن تضعها في بنوك مسيسة إذا اختلفت يومًا ما مع تلك السياسة يتم سرقة كل أموالك وتعاقب من ليس لديهم حق العقاب، وكيف أتعامل بعمله ليس لها قيمة بالنسبة لي لأني محظور عليا التعامل مع كل قنوات التعاملات المالية الشرعية لتلك العملات.
لم يترك الغرب لبوتين القرار بل دُفع دفعًا لاتخاذه لكي يجبر الغرب فك الحظر والحصار الاقتصادي بأيديهم لوصولهم عند نقطة ما لن يكون لديهم أي اختيار سوي التعامل بالروبل وذهابهم للبنك المركزي الروسي للتعامل معه مما يعني فك حظر التعامل معهم.
أما تفسير البعض بأن ذلك القرار يقوي من قيمة العملة المحلية وتفكير البعض في تحصيل رسوم قناة السويس بالعملة المحلية غير صحيح.
على سبيل المثال ما الفرق بين ما الفرق بين تقديم على سبيل المثال ١٠٠ الف دولار لمصر مقابل (ص) من التعاملات وبين الذهاب لبنك مصري وبيع ال١٠٠ الف دولار مقابل عملة محلية والعودة لتقديم قيمة الـ١٠٠ ألف دولار بالجنية المصري لمصر..؟
في الحالتين دخل مصر ١٠٠ ألف دولار ولم يتغير شيء في قيمة الجنية المصري أو الاحتياطي الأجنبي، لذلك تفكير البعض طان قرار بوتين يهدف إلى تقوية قيمة الروبل غير صحيح بل يهدف إلى فك حصار الغرب في التعامل مع البنك المركزي الروسي وفك الحصار الاقتصادي
لذلك قرار بتوين بتحصيل بيع الغاز الروسي بالروبل دفُع إليه دفاعًا من الغرب قليل الحيلة ويهدف لفك الحصار الاقتصادي والتخلص من التبعية الغربية وتأمين احتياطي ومدخرات الدولة من سرقتها من البنوك الغربية المُسيسة التي تستخدم كاداة لمعاقبة من يخالفهم، وعلى دول "عدم الانحياز" أن تبدأ في تطبيق نظام "المير المصرفي" لاستمرار التعامل والتبادل الاقتصادي بينها وبين روسيا وهذا ما يفصل بين دوله وأخرى في الفوز بالسوق السياحي الروسي.
عزيزي القارئ لا تنصت لإعلام الغرب كثيرًا وأبحث عن حقيقة كل ما تقرأه وتسمعه وكن واعيًا بكل ما يدور حولنا يؤثر على كل شيء في حياتنا حتى أبسط الأمور.