رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

شخصيات روائية| "الزينى بركات".. محتسب كل العصور

الزيني بركات
الزيني بركات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور»، ذكر ابن إياس المحتسب بركات بن موسى، الذى أُطلق عليه«الزينى»، لجمال أفعاله. 

تناول فى حديثه عنه شعبية الرجل الذى كان يلقبه الناس بـ «الحاج بركات»، وتارة أخرى بـ «الزينى»، وشبهه البعض بالنبى يوسف -عليه السلام- فى أبيات شعرية لكن، ربما كان ليمر كالكثيرين غيره، فلم يعد يعرفه إلا المتخصصون. لولا أن الروائى الراحل جمال الغيطانى، توقف ليجعله بطل روايته «الزينى بركات».

فى حقبة الستينيات، التى عرف فيها سيطرة السلطة بشكل مخيف، طارد خيال الغيطانى شبح «البصاص»، أو المخبر كما نعرفه. لم يره الغيطانى، إلا أنّه وهو الشاب اليسارى المتحمس الأفكار المهموم بالفلاحين والعمال، شعر بوطأته تدوس على أنفاسه.

وعندما دخل السجن بالفعل نتيجة عمل «بصاص». عاد إلى كتاب ابن إياس، ليجد قصة الزينى وخصمه، الشهاب الأعظم زكريا بن موسى. ليبدو له وكأن التاريخ يعيد نفسه.

بعد عزل وسجن محتسب القاهرة السابق، على بن أبى الجود. الذى كرهه الناس لظلمه، وكرهه الأمراء لاستعلائه عليهم.

 عُيّن الزينى بركات محتسبًا للقاهرة، بحسب المرسوم السلطانى الذى وضعه السلطان قنصوة الغورى عام ٩١٢ هـ. 

فى البداية، تعفّف الزينى عن المنصب، وأظهر رفضه أمام الناس والأمراء؛ لكن انتفض الناس ودشنوا حملة لتنصيب الزاهد المتعفّف، فقبل الزينى تحت الضغط، وأقام الناس الأفراح واستبشروا.

فى بداية الأمر، بدأ الزينى إصلاحيًا. فتح داره لتسلّم المظالم، وألغى الضريبة، ورفع الاحتكار الحاصل على بعض السلع، إلى جانب قرارات تنفيذية اقتصادية رادعة. وفى غياب الغورى، وتولّى طومان باى الأمير المملوكى مكانه، زايد بركات على نائب السلطان، بعد أن منع طومان باى المراكب والباعة من دخول بركة الرطلى والخلجان، خشية أن يفسد الباعة المشهد على نساء الآغاوات، ومع تدخل بركات سمح للباعة بالدخول. إلا أنّهم لم يجدوا من يبيعون لهم.

تفنن بركات فى تعذيب المحتسب السابق عليه، على بن أبى الجود، ليحصل منه على المال، فلجأ إلى إذاقة الفلاحين أمامه عذابًا منكرًا، بغية إخافته وترويعه، على مدى سبعة أيام. 

وفى النهاية اعترف أبوالجود، فشنقه الزينى، وعلّق جسده على باب زويلة.

كان «بركات» يطيع الغورى طاعة عمياء، فلم يتورّع عن تعطيش القاهرة ٤ أيام متتالية لتوفير السقاية لمولاه. ففى إحدى رحلات الغورى فسدت ٣ آلاف قربة من الماء كانت بحوزته، فأرسل إلى الزينى، فما كان من الأخير إلا أن اعتقل ١٢٠ جملًا بساقييها. 

فلما بلغ الخبر بقية السقايين، فرّوا بجمالهم، وظلّت القاهرة أيامًا دون ماء.

مع ذلك، عندما قُتل السلطان الغورى على يد السلطان العثمانى سليم الأول فى معركة مرج دابق عام ١٥١٦، ولحقه بعد عام خلفه ابن أخيه طومان باى، سقطت الدولة المملوكية، فرأى العثمانيون أن يعيدوا إدارة الدولة المصرية بواسطة المماليك أنفسهم، اعتقادًا منهم بأنّهم أدرى بطبيعة هذه البلاد وأهلها، وأنّه لا يصلح غيرهم فى إدارة شئونهم، فعيّنوا واليًا عثمانيًا ليراقب المماليك فى حكمهم.

اختفى «الزينى» أيامًا بعد دخول العثمانيين، حتى ظهر فجأة بعد أن ولاّه الوالى الجديد حسبة القاهرة مرة أخرى، كما كان فى العهد السابق. 

الغريب أنّ المصريين عبّروا عن سعادتهم بعودة الزينى.