"أيها الأخوة المواطنون، جاءنا البيان التالي.. أقدم العدو في تمام الساعة التاسعة و20 دقيقة من صباح اليوم على جريمة جديدة تفوق حد التصور، عندما أغار بطائراته الفانتوم الأمريكية على مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بمحافظة الشرقية وسقط الأطفال بين سن السادسة والثانية عشر تحت جحيم من النيران"، بهذه الكلمات قطعت الإذاعة المصرية إرسالها لتعلن عن مآساة إنسانية وقعت في تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة من صباح يوم الأربعاء 8 أبريل 1970م، حين حلقت 5 طائرات من طراز إف-4 فانتوم الثانية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وقصفت بدموية مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة إحدى مدارس مركز الحسينية بمحافظة الشرقية.
وقائع أليمة
قبل 52 عامًا خرج العشرات من طلاب مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة حاملين حقائبهم وكلهم أمل في مستقبل مشرق متحديث بقوة كل العقبات التي كانت تحيط بمصر التي تعيش حالة من الحرب آنذاك، إلا أن هذه الأمال والأحلام الطفولية تحولت في لحظات إلى كومة من الركام بعدما سكتت الضحكات وأصوات التلاميذ داخل المدرسة التي تتكون من 3 فصول، يتكدس بكل منهم 150 طفلا، وذلك بعدما باغتتهم طائرات الاحتلال حيث ألقت بخمس قنابل "تزن 1000 رطل" وصاروخين، وأدى هذا لتدمير المدرسة بالكامل، وأحدث دمارا بالقرية الصغيرة راح ضحيته 30 من طلاب ومعلمي المدرسة، وأصيب أكثر من 50 آخرين.
"الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللى على ورقهم سال.. في قصر الأمم المتحدة مسابقة لرسوم الأطفال.. إيه رأيك في البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزى.. دى لطفلة مصرية سمرا كانت من أشطر تلاميذى.. دمها راسم زهرة، راسم راية ثورة، راسم وجه مؤامرة، راسم خلق جبابرة.. راسم نار راسم عار ع الصهيونية والاستعمار.. والدنيا عليهم صابرة وساكتة على فعل الأباليس.. الدرس انتهى لموا الكراريس"، بهذه الكلمات عبر الشاعر الراحل صلاح جاهزين عن المذبحة التي مرت يوافق اليوم الذكرى الـ 52 لها، والتي أدت إلى مقتل 30 طفلًا من تلاميذ المدرسة، وإصابة أكثر من خمسين طفلًا بجروح بعضها إصابات بالغة وخطيرة، كما أصيب خلال العدوان مدرس و11 عاملا بالمدرسة، وذلك بعد شهرين فقط من مذبحة أبو زعبل عندما قصفت إسرائيل مصنع أبو زعبل والتي خلفت 70 قتيلا من المدنيين.
في ذاكرة الأمة.. شهداء المذبحة
وجاءت أسماء التلاميذ الشهداء "حسن محمد السيد الشرقاوى"، و"محسن سالم عبدالجليل محمد"، و"بركات سلامة حماد"، و"إيمان الشبراوى طاهر" و"فاروق إبراهيم الدسوقى هلال"، و" محمود محمد عطية عبدالله"، و"جبر عبدالمجيد فايد نايل"، و" عوض محمد متولي الجوهري"، و" محمد احمد محرم"، و" نجاة محمد حسن خليل"، و" صلاح محمد إمام قاسم"، و" أحمد عبدالعال السيد"، و" محمد حسن محمد إمام"، و"زينب السيد إبراهيم عوض"، و"محمد السيد إبراهيم عوض" و"محمد صبرى محمد الباهي"، و"عادل جودة رياض كراوية"، و"ممدوح حسنى الصادق محمد".
استشهاد 30 تلميذًا
"استشهاد 30 تلميذا في غارة إسرائيلية"، بهذا العنوان تصدرت صفحات الجرائد والصحف المصرية بعد الحادث الذي أدانته مصر، ووصفته بأنه هجوم متعمد غير إنساني بهدف إخضاع مصر وإجبارها على وقف الهجمات التي تشنها خلال حرب الاستنزاف والموافقة على مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار.
رسالة إنسانية
وبعد الحادث، حرص طلاب مدرسة بحر البقر على توجيه رسالة للإنسانية، حينما اصطفوا موجهين رسالة لزوجة الرئيس الأمريكي آنذاك "نيكسون"، متسائلين عن موقفها من قصف الطائرات الأمريكية للطلاب الصغار، وجاء نص الرسالة: "هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا؟! أنتِ الأم لجولى وتريشيا والجدة لأحفاد.. فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك مستر نيكسون؟!".
تخاذل دولية
وفي الوقت الذي أدانت العديد من دول العالم وعلى رأسها الدول العربية، كان الموقف الدولي متخاذلا، حينما لم تقدم الأمم المتحدة على إصدار بيان رسمي يدين الحادث، واكتفت بوصف الحادث بأنه "انتهاك لوقف إطلاق النار"، ولم يختلف الحال في الولايات المتحدة، عندما علقت الخارجية معتبرة المذبحة مجرد "“أنباء مفزعة”، وقالت إن هذه الحادثة الأليمة تعتبر “عاقبة محزنة يؤسف لها من عواقب” وذلك لعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار”.
فيما أدان الاتحاد السوفيتي الحادث، معلقا “وعندما أرادت إسرائيل اختيار حق الرد فلم تعارك جيشًا بل ذهبت للانتقام من أطفال مدرسة “بحر البقر”، ووصفته بأنه “رد عاجز”، أما الدول الأوروبية فتراوحت التعليقات ما بين تعبير بريطانيا عن أسفها لوقوع الحادث بينما لم تعقب وسائل الإعلام في دول أوروبا الغربية على الواقعة واكتفت بنشر التصريحات المصرية والإسرائيلية حول الحادث.
قتل الأبرياء
وأعرب الفاتيكان عن حزنه على الأطفال الأبرياء، وشهدت تركيا وقفة احتجاجية من الطلبة أمام القنصلية الإسرائيلية بإسطنبول، وفي يوغوسلافيا نددت جماعات السلام بالحادث وقامت بإرسال برقيات احتجاجية إلى الحكومة الإسرائيلية، بينما لم تعقب وسائل الإعلام في دول أوروبا الغربية على الواقعة واكتفت بنشر التصريحات المصرية والإسرائيلية حول الحادث.