تعيش مالي حالة من التوترات الأمنية والسياسية إلى جانب الأزمة الاقتصادية العالمية المؤثرة على دول أفريقيا بشكل كبير، لذا تسعى الجماعات الجهادية والانفصالية المتطرفة الاستفادة من الانسحاب الفرنسي وانشغال روسيا في حروبها في أوكرانيا، حيث زادت حدة الهجمات التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش- ولاية غرب أفريقيا) خلال الأسابيع الماضية.
قبل أيام، هاجمت داعش مقاتلين من حركة خلاص أزواد الانفصالية، في منطقة مينكا، ما أسفر عن مقتل العشرات، حيث انتشرت قوات حفظ السلام على الحدود الشمالية الشرقية لمالي، وكانت الأمم المتحدة، في مطلع العام الجاري، قد حذرت من تدهور الأوضاع في بيان لها، قائلة: "ازداد انعدام الأمن، وتدهور الوضع الإنساني، وتسرب مزيد من الأطفال من المدارس وتأثرت البلاد بدوامة لا نهاية لها من عدم الاستقرار".
وحول التوترات الأخيرة بين "داعش" و"خلاص أزواد"، فإن اغتيال قيادي بالأخيرة في مطلع مارس الماضي على يد مجهولين أجج الصراع مجددا، ونقلا عن تقرير لـ"فرانس 24"، فإن حادث الاغتيال أثار غضب الحركة وجعلها تسعى للانتقام وطرد مجموعات تسكن منطقة تاملت الحدودية المعروفة بدعمها لتنظيم داعش في النيجر، ما استدعى تنظيم داعش للهجوم على "تاملت" ثم الخروج والعودة للهجوم مرة أخرى للانقضاض على مقاتلي حركة خلاص أزواد.
داعش يتحرك لإزاحة منافسيه
بدورها، قالت الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة فى الشئون الأفريقية، والمنسق العام لمركز «فاروس» للدراسات الاستراتيجية: إن تنظيم داعش يسعى إلى فرض سيطرته على الأماكن التي يتواجد بها، وإزاحة الحركات التي تنافسه في بسط النفوذ، وقد رأينا الصراع بينه وبين تنظيم القاعدة في سوريا والعراق والصومال وغيرها لنفس السبب.
وأضافت "نرمين" في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن "خلاص أزواد" حركة انفصالية تتواجد في شمال مالي ولها أصول قبلية في هذه المنطقة، لذا فإن حرب داعش معهم لن تكون سهلة، وسيسعون إلى الرد على هجمات داعش ضدهم، غير أن هذه الأحداث تهدد الاستقرار في مالي ودول جوارها والتي تعاني من انتشار الحركات الإرهابية وتشكل تهديدا على أمن المدنيين وقوات جيوش هذه المنطقة.
وتابعت "الباحثة في الشئون الإفريقية"، أن دول هذه المنطقة سعت إلى تكوين قوة عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب، تحت مسمى قوة 5G من 5 دول وهي: (بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا، النيجر، وتشاد)، في ٢٠١٤ بهدف التعاون في مجال الأمن وتبادل المعلومات، ويحظى هذا التحالف بدعم دولي، لكنه لم يستطع حتى الأن القضاء على الهجمات الإرهابية.
ولفتت "نرمين" إلى أن فرنسا قامت ببدء عمليتها العسكرية برخان لمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة في ٢٠١٣، غير أنها سحبت مؤخرا عدد من جنودها هناك بعد الخلافات الأخيرة مع حكومة مالي التي وطدت علاقتها بروسيا، وتستغل روسيا حاليا الفراغ الفرنسي لتعزيز وجودها في مالي، ويتم استخدام عناصر شركة فاجنر الروسية كبديل للقوات الفرنسية، ولا شك أن الجماعات الإرهابية تستغل هذه الاضطرابات لتنشط وتشن هجماتها.
"إيكواس" تطالب مالي بحكومة مدنية
يشار إلى حالة التوترات الأمنية والخلافات السياسية الشديدة، زادت بعد إعلان فرنسا رغبتها في سحب جنودها من قواعدها في مالي وتخفيض عددهم إلى النصف بحلول عام 2023، وهو ما بدأ تنفيذه بالفعل، إلى جانب تشديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" على الحكومة المالية بضرورة الذهاب لحكم مدني وتنظيم الانتخابات.
ورفضت "إيكواس" أن تكون المدة الانتقالية للعسكريين في مالي خمس سنوات، حيث أوضح رئيس مفوضية "إيكواس" بعد قمة لزعماء المجموعة، في 25 مارس الماصي: إن الزعماء مستعدون لقبول حكم عسكري انتقالي في مالي لفترة أخرى بين 12 و16 شهرا.
مالي التي سقط فيها العشرات نتيجة المواجهات الأخيرة، تعصف بها أزمة كبيرة بعد رغبة السلطة الحاكمة في عقد اتفاقات مع المجموعات المتطرفة والمسلحة التي تقاتلها فرنسا منذ 8 سنوات، وهو ما رفضته الأخيرة وأعلنت رغبتها في سحب قواتها وتخفيضها إلى النصف، وبدأت بالفعل في تنفيذه حيث أخلت وجودها من قاعدة "كيدال" منتصف أكتوبر الماضي، ثم إخلاء قاعدة "تيساليت" منتصف نوفمبر الماضي، والمقرر أن يتم إخلاء قاعدة "تمبكتو" لاحقا، وهي ثلاث قواعد لفرنسا في شمال مالي.
ونقلا عن وكالات أنباء، فإن هيئة الأركان العامة الفرنسية، قالت في بيان رسمي، 30 نوفمبر الماضي: أن نقل الجنود من القواعد كان تدريجيا ومتقنا ومنسقا بشكل وثيق مع القوات المسلحة المالية وبعثة الأمم المتحدة "مينوسما" التي نشرت وحدة عسكرية بشكل دائم في تيساليت.
وأسهم الانسحاب الفرنسي في تأزم الموقف المالي، فرئيس الوزراء شوجيل كوكالا مايغا، وصف إعلان فرنسا إنهاء عمليتها العسكرية في مالي المعروفة باسم "برخان" بأن فرنسا "تتخلى عن بلاده في منتصف الطريق" وأنه سيسعى لبحث السبل والوسائل التي تحقق الأمن. الأمر الذى أشعل التصريحات بين البلدين، وفي نفس الإطار أعلنت مالي عن التوجه للاستعانة بقوات أمنية روسية تابعة لشركة "فاجنر" ليزيد الأزمة اشتعالا.
وترى فرنسا أن الاستعانة بالمقاتلين الروس لتعزيز الأمن داخل مالي، خاصة بعد الانسحاب الفرنسي، يعد نوعًا من إعطاء الفرصة لروسيا كي توسع نفوذها بمنطقة الساحل التي هي منطقة نفوذ لفرنسا، الأمر الذي زاد من انزعاج باريس، ما جعلها تهدد الحكومة المالية بـ"فقد دعم المجتمع الدولي والدخول في عزلة إلى جانب التخلي عن مقومات سيادية".
الأمم المتحدة تحذر
الأمم المتحدة التي حذرت من "دوامة بلا نهاية من عدم الاستقرار"، كانت في وقت سابق، تحديدا في يونيو الماضي، أعلنت عن زيارة مسئولين كبيرين إلى مالي، وهما: جان بيير لاكروا وكيل الأمين العام لعمليات السلام، وبيدرو سيرانو نائب الأمين العام للاتحاد الأوربي لسياسة الأمن والدفاع المشترك والاستجابة للأزمات.
واستهدفت الزيارة آنذاك الاجتماع بالسلطات المالية والأطراف السياسية المختلفة لـ"بحث سبل تعزيز الدعم المقدم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتسريع تنفيذ اتفاق السلام واستعادة سلطة الدولة في شمال ووسط مالي، وتعزيز الشراكة بين المنظمتين في البلاد.
واجتمع المسئولان أيضا مع مسئولين حكوميين على أعلى المستويات والجماعات المسلحة الموقعة والممثلين السياسيين والمجتمع المدني والجماعات النسائية والشركاء الدوليين.
يشار إلى أن نزاعًا مسلحًا نشب في مالي بين القوات الحكومية ومسلحين من جماعات متمردة ومختلفة، في العام 2012، وقد أسهم الانسحاب الفرنسي مؤخرا إلى زعزعة الأمن ما دفع للسلطات في مالي بالتوجه نحو موسكو لاكتشاف سبل تعزيز الأمن.