فى تراث الشعر العربى، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسى، كنوز وجواهر لا ينبغى للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، فى محاولة لتحقيق التواصل الضرورى والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
عمر بن أبى ربيعة
«إنى امرؤ مولعُ بالحسنِ أتبعه لا حظ لى فيه إلا لذةُ النظرِ».
أغلب الظن أن مفتاح فهم العالم الشعرى لعمر بن أبى ربيعة يكمن فى بيته هذ، ولا شك أنه يعبر فى صدق ودقة وإيجاز عن ملمح مهم لا ينجو منه شاعر أو إنسان ذو مزاج فنى. الولع بالجمال حقيقة لا يمكن إنكارها فى حياة البشر، وفى «لذة النظر» متعة مشبعة آمنة لا تسيء أو تضر، بلا تحرش أو شبهة إيذاء. الشعراء هم الأوفر حظا والأكثر براعة فى هذه الساحة، إذ تتوهج رقة المشاعر مع توهج الخيال لصناعة أجواء بديلة وتجارب لا تترجم الواقع حرفيا، بل إنها تتخذ من الأحداث العابرة نقطة الانطلاق للتحليق بلا ضفاف.
«لا حظ لى فيه» تعبير يكشف عن معطيات تختلف جذريا عما يُكتب ويجسّد ما لا وجود له، وإذا كانت «لذة النظر هى الحظ المتاح الذى يقنع به، فإن مغامرة الإبداع تتكفل بالتجاوز الذى يصنع التحقق، ويعانق مفهوم التنفيس والتعويض على نحو ما.
تتشكل عبر الخيال مشاهد وحوارات توشك من فرط الصدق الفنى أن تقنع القارئ بأنها الحقيقة المطلقة، وعندئذ يُصنف الشاعر فى دائرة لا يمكن أن يكون مسئولا عنها، فهو لا يُسأل عما يكتب، ولا يُحاسب ويُحاكم وفق المعايير والقواعد التى لم يخترها ولا تلزمه، بقدر ما أنه ليس مطالبا بإنكارها والتبرؤ منه.