كنتُ بصدَد نصيحة بعض الأصدقاء بالضحك؛ للتغلُّب على الهموم، إذ إنه في أحد تعريفاته قيل: إن الضحك هو وسيلة الدِّفاع ضد مواقف الخوف العفوية.
ولأننا نعيش منذ سنوات حالة الخوف كانت وصفة الدواء لي هي الضحك، وربما في بعض الأحيان السخرية من كل شيء.
كنت أُغالي في إثارة دوافع الضحك في نفسي، فأشاهد شارل شابلن، وإسماعيل يس، وأعاود قراءة قصص جُحا وحماره، وأُعيدُ حِفظ "أوديوهات الأفلام"، وأخترع إفيهات للضحك.
كنتُ أنفجِرُ مِن الضَّحِك، فتنتفِخ عروقي وأقول: "خير اللَّهمَّ اجعله خير"، وكنتُ في الشوارع أجد الضحك يتسكَّع هنا وهناك، كان حُرًّا طليقًا، يحضر في أي موقف كبلياتشو، يرسم الابتسامة على كل الوجوه التي يقابلها.
لكن أين اختفى الضَّحك؟
سؤال أبحث له عن إجابة؛ فلا أجد! أقول: ربما غادر جُحا المدينة بعدما وجد حمارَه مذبوحًا في أحد المحال، أو ربما واراهُ الثَّرى مع تلك النهاية المأساوية لإسماعيل يس ملك الكوميديا، حتى كُتب النكات لم تعُدْ تُباع، وربما كبر المهرج وشاب، ولم يَعُد يخرج من داره في الموالد والاحتفالات، حتى الأراجوز لم يَعُد شيئًا مُبهجًا بعدما باتت مهنة يُمارسُها الجميع في كل مكان.
ذات يوم وأنا أُقلِّب صفحات الكتب وجدتُ شمَّاعة أُعلِّق عليها أمرَ اختفاء الضحك، ربما يكون هذا هو السبب في كفِّ جحا عن المزاح وفي حَجْب النِّكات، بالطبع ليس الغلاء الذي نشهده، ولا تلك الدوَّامة التي نعيش فيها ونركض خلف الحياة فيباغتنا الموت من كل اتجاه.
فالفيلسوف الإغريقي خريسيبوس هو الذي حقَّق مقولة: "مات من الضحك"، كنت أحسبها مُغالاةً حتى تيقنت أنها حقيقة.
خريسيبوس كان بكامل عقله، يُمارس الرياضة في شبابه قبل أن يُضِلَّه عقله، ويعتنق طريق الفلسفة. وعلى إثر ذلك، سافر نحو أثينا ليستقر هنالك، ويتجه نحو تيار الفلسفة الرواقية.
نجح صاحبنا في تأليف مئات الكتب؛ وبناءً على ذلك، اعتبر المؤرخون الفيلسوف خريسيبوس واحدًا مِن أهم الشخصيات المثقفة المؤثرة خلال العصر الهيلينيستي والذي تلا وفاة الإسكندر المقدوني سنة 323 قبل الميلاد، واستمر نحو قرنين من الزمن.
نأتي لمربط الفرس
في خلال إحدى الجلسات الخمرية، وعقب إكثاره من شرب الخمر، شاهد خريسيبوس حمارًا وهو بصَدَد أكل حبة تين، فما كان منه إلا أن انفجر ضاحكًا مُطالبًا بمنح الحمار كأس خمر لمساعدته على الهضم.. "تمامًا كما يحدث الآن مع الحمار".
دخل الفيلسوف الرواقي الشهير في نوبة ضحك هستيرية انتهت بوفاته وسط ذهول جميع الحاضرين.
قبل أن يموت خريسيبوس ترك عبارة على جدار الأيام قيلت لدياب في فيلم الأرض لكن المشاهد لم يقف عندها: "افهم بقى يا دياب مشاكلك عمرها ما تنتهي طول ما أنت مصدق إنك محسود مش غبي".
لكن ما هو الرابط بين خريسيبوس ودياب والحمار؟!
ربما يكون الرابط هو ما أضحك الفيلسوف حتى الموت؛ لأنه أدرك أن الأغبياء هم مَن ينجحون.
فيا صديقي حتى في الضحك لا تكن فيلسوفًا.. كن غبيًّا حتى لا تموت.