أثار قرار فرض العقوبات "غير المسبوقة" على روسيا خلال الأسابيع الماضية العديد من المخاوف خاصة على إمدادات النفط العالمية، إذ توقع تقرير صدر مؤخرًا عن الوكالة الدولية للطاقة، أن تلك العقوبات ستؤدي إلى "أكبر أزمة إمداد منذ عقود" لأسواق الطاقة العالمية، حيث تضمنت مجموعة العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على موسكو حظرا لتجارة الطاقة مع روسيا.
وهنا يتوقع الخبراء حدوث ارتفاعات في أسعار النفط نتيجة زيادة الطلب بالنسبة للمعروض حيث تسيطر روسيا 17% من الغاز الطبيعي عالميًا وثاني أكبر مصدر للنفط، بخلاف زيادة حدة الموجة التضخمية العالمية، كما طالبوا؛ بزيادة دعم الإنتاج المحلى وزيادة مبادرات مكافحة الغلاء والتشديد على أي احتكارات ناشئة للتقليل من تأثيرات موجات التضخم.
وكانت المملكة المتحدة والولايات المتحدة قد أعلنت في أوائل الشهر الماضي إيقاف استيراد النفط والغاز الروسيين، كما "تراجعت شركات النفط الكبرى والشركات التجارية وشركات الشحن والبنوك عن أعمالها التجارية مع الدولة"، وفق ما ذكرته الوكالة. وقطعت أو علقت كبريات شركات النفط مثل شل وبريتش بتروليوم علاقاتها التجارية مع موسكو.
ويقول الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي: من المتوقع حدوث قفزة في أسعار البترول خلال الفترة القادمة نتيجة المشكلات المرتبطة بعدم توفير النفط بالكميات المطلوبة لدول الاتحاد الأوروبي إلى جانب الحرب "الروسية الأوكرانية" وعدم توفير حلول نهائية حتى الأن، كما ذكر تقرير صادر من "بلومبرج" الاقتصادية بأنه من المتوقع وصول برميل النفط لقرابة 180 دولار.
وقال "الإدريسي": هذه الارتفاعات ستؤثر على ارتفاع معدلات التضخم على مختلف دول العالم وليس دول الشرق الأوسط والدول النامية فقط بل طال التأثير لفرنسا وألمانيا نتيجة تأثر امدادات الطاقة من روسيا بل ووصلت ارتفاع الحصول على الغذاء بنسبة 30%، وتبقى الدول النامية في وضع لا تحسد عليه نتيجة الارتفاعات المستمرة بسبب التضخم العالمي، كما أن الزيادة في التضخم يعمل على تقليص القدرة الشرائية للأسر، الأمر الذي من المرجح أن يثير ردود فعل سياسية من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، مع تأثير سلبي قوي على النمو، ويبقى الدب الروسي قوة لا يستهان بها إذ تسيطر على 17% من حصة العالم من الغاز الطبيعي وثاني أكبر منتج للنفط بنسبة 12% وذلك يؤثر بشكل واضح على إمدادات الطاقة.
ويواصل "الإدريسى": وعلى المستوى الداخلي من الممكن يتم التحصين من الموجة التضخمية عن طريق تقديم حوافز للمنتجين وتقديم الاعفاءات الضريبة للتقليل من تكاليف الانتاج والاستمرار في المبادرات لمقاومة الغلاء ومحاربة وقفة الاحتكارات التى قد تنشأ خلال الفترات القادمة وتم اتخاذ قرار مؤخرا بإلغاء الضريبة الجمركية عن الدواجن المستوردة ما يصب تقليل الأسعار في السلع الأساسية سواء أكانت لحوم أو دواجن للتقليل من معدلات التضخم العالمي والتخفيض على السلع الغذائية.
من جانبه يعلق الدكتور وائل النحاس "الخبير الاقتصادي": الحظر الموقع على البترول الروسي يؤدى لبيعه بأقل من سعره عن السعر العالمي، وخلال الفترات القادمة ستأتي شحنة قمح بأسعار أقل من السعر العالمي حيث صرحت روسيا أننا لن نصدر إلا للدول الشقيقة. ويضيف "النحاس": قد يؤدي حجز النفط الروسي لارتفاعات ملحوظة في أسعار النفط وبالمقابل تحاول أمريكا التوسع في مشروعات التنقيب عن الغاز الطبيعي والبحث عن بدائل ولكن من المستبعد العودة للوقود الأحفوري بسبب ارتفاع معدلات التلوث والاهتمام العالمي للتحول الأخضر.
وبحسب التقرير الدولي، تستحوذ روسيا على نصيب الأسد من صادرات النفط العالمية، إذ "تشحن 8 ملايين برميل يوميا من المنتجات النفطية الخام والمكررة لعملائها في أنحاء العالم". وتوقعت الوكالة أن ينخفض إنتاج النفط الروسي بنحو 3 ملايين برميل يوميا اعتبارا من أبريل، مع تعمق العقوبات المفروضة على البلاد وابتعاد المشترين عن النفط الروسي.، ومايزيد الأمور تعقيدًا هو انخفاض المخزونات العالمية، حيث سجلت مخزونات النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كانت في يناير دون متوسطها لخمس سنوات بمقدار 335 مليون برميل، وعند أدنى مستوى لها منذ عام 2014. ومن المرجح أن يضطر منتجو النفط إلى السحب أكثر من الاحتياطيات الضعيفة خلال العام المقبل لتغطية أزمة العرض.
هذا التراجع في العرض يعني ارتفاع في الأسعار، وعدلت الوكالة الدولية للطاقة توقعاتها لنمو الطلب على النفط إلى 2.1 مليون برميل يوميا خلال عام 2022، مما يمثل انخفاضا بمقدار مليون برميل يوميا عن تقديراتها السابقة، الأمر الذي يضع مستويات الاستهلاك عند 99.7 مليون برميل يوميا على مدار العام، ومن المتوقع أن أزمة الإمدادات يمكن أن يكون لها "نتائج دائمة" على سوق الطاقة العالمية، بما في ذلك فرض إعادة التفكير في الاعتماد على الوقود الأحفوري وتسريع التحول الأخضر. وذكر التقرير أن "التوافق بين أمن الطاقة والعوامل الاقتصادية اليوم قد يؤدي إلى تسريع التحول بعيدا عن النفط".