ليست هي رواية لتشارلز ديكنز، ولا دوستويفسكي، ولا نجيب محفوظ ولا فيلمًا وثائقيًا عن أحداث تاريخية حدثت من مائة عام، بل هي عمل فني وطني من الطراز الأول يحكي رواية مصر، لا تنصفه كلمات الإطراء والمدح، هذا العمل الدرامي المهني يجسد أثر القوة الناعمة، التي نري فيها أيامًا نسيناها – حقًا – ولكن عشناها منذ زمن قريب، وكأننا نسترجع " ألبوم ذكريات" من خلال الجزء الثالث لمسلسل الاختيار.
ذلك العمل الدرامي الذي شهد نضجا فنيا في جزئه الثالث، ينتهج سياسة التوثيق القريب للأحداث وبمنتهى المهنية والحيادية، يعرض الحقائق التاريخية التي حدثت دون فرض وجهة نظر صناع العمل علي المشاهد، بل يترك الحقائق معروضة بشكل واضح ومنمق وللمشاهد الحكم !
وعلى مدار الحلقات السابقة نستطيع أن نري أنه في كل حلقة يحرص صناع الحلقات علي تقسيم الخمس وأربعين دقيقة إلى 3 أجزاء، الجزء الأول يعرض شخصية الفريق أول عبد الفتاح السيسي وكيف كانت مواقفه الوطنية وسط مجريات الأحداث، وسط الجماعة الإرهابية التي تحاول فرض حالة اللادولة، أمام رئيس دولة هش، يُفرض عليه القرارات وتُملي عليه التصرفات لخدمة أغراض الجماعة، كيف كانت تلك الجماعة تطمع حتى في أموال القوات المسلحة أملا في إضعافها، كيف استطاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي الوقوف في وجه هؤلاء وهو في وسطهم، يحاول تطبيق مفهوم الدولة الذي يؤمن به ورغبته في تعزيز قدرات القوات المسلحة التي لها مذهب واحد يحمي شعب واحد، بضمير نقي وأمانة شديدة فكان العبد إلي الله الصالح، الذي كان أمينًا في القليل فأقامه الله على الكثير كما تقول أدياننا السماوية.
أمّا الجزء الثاني من الحلقة يكون مخصص لعرض مجهودات مؤسسات الدولة الأمنية التي كانت تعمل في ظروف دقيقة جدًا، الثلاث جهات الأمنية من الأمن الوطني والمخابرات الحربية والعامة والتي كانت تسعى وتعمل للحصول على كل المعلومات اللازمة، فما أصعب أن تعمل مثل تلك الجهات والدولة الإرهابية تضيق عليها الخناق وتريد تقسيمها وتفكيكها من أجل خصوم خارجية ! ولولا تلك المؤسسات لوقعت مصر في يد أهل الشر، وتفككت مثل باق الدول المجاورة، فتماسك الدولة المصرية وعبورها لبر الأمان لم يكن صدفة بل كان نتاج تلك المجهودات المتناسقة.
أمّا الجزء الثالث فيكون عن المواطن العادي، يذكرنا بمرارة تلك الأيام، وقسوتها، بالدموع التي كانت تترقرق في عيوننا وتخجل أن تجد طريقها إلي الخارج وكأنها لا تريد أن تعلن مرارة الواقع صراحة، المواطن الكفء الذي لم يؤهل للمنصب لأن ليس لديه انتماءات إخوانية، والمواطن الذي لا يجد البنزين والكهرباء، والحائرون بين حبهم لوطنهم ولكن أصبحوا غرباء فيه حتى أصبحت فكرة الهجرة مُلحة، وكأنه قد تم تهجيرهم قسريًا من وطنهم المغروس بداخلهم.
حتي تأتي الدقيقة القاسية الأخيرة من عُمر الحلقة التي يقرر صناع العمل عرض جزءًا من تسجيلات ومحتوي حقيقي لقيادات الجماعة الإرهابية المسجلة بالصوت والصورة والمسموح أمنيًا بعرضها، فلا يستطيع المُشكك في بداية الحلقة أن ينكر أكثر من ذلك متحججا بأن ذلك مجرد مسلسل من وحي الخيال، ليصطدم بحقائق دامغة.
ما أمتع أن نرى أنفسنا في الأمس القريب البعيد في "الاختيار"، وعلى الرغم من تلك الأيام التي اتشحت مصر بالسواد بها ولكنها كانت فجرًا جديًدا لعصر جديد يستحقه المصريون.
آراء حرة
" الاختيار3".. بين حُلم الدولة وحالة اللادولة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق