تعد لوحة "الحرية تقود الشعب" هي لوحة زيتية للفنان يوجين ديلاكروا لإحياءً ذكرى ثورة يوليو الفرنسية التي قادتها المعارضة الليبرالية للإطاحة بالملك شارل العاشر وإعادة الجمهورية الفرنسية، وتجسد اللوحة إلهة الحرية كامرأة حاملة لراية الثورة التي لا تزال العلم القومي لفرنسا بيد، وبندقية باليد الأخرى وتقود الشعب إلى الإمام على جثث الذين سقطوا، إلهة الحرية ترمز إلى ماريان، التجسيد القومي لفرنسا، تعتبر اللوحة رمزاً جمهورياً وديمقراطياً مناهضًا للملكية.
رسم ديلاكروا اللوحة في خريف عام 1830م، وبلغت أبعادها 260-352 سم وهو في سن العشرين من عمره، ورفض كان قائداً للمدرسة الرومانسية في الرسم الفرنسي، ورفض عصر التنوير الذي أفسح المجال لأفكار وأسلوب الرومانسية، التركيز على الرسم الدقيق الذي اتسم به الفن الأكاديمي في عصره، وعوضًا عن ذلك، منح درجة جديدة من الأهمية للألوان المصقولة بحرية.
كتب ديلاكروا لأخيه في 21 أكتوبر 1830 عند رسم تلك اللوحة :"يتلاشى مزاجي السيئ بفضل العمل الشاق. لقد شرعت بموضوع جديد وهو المتراس، فإذا لم أقاتل من أجل بلادي، سأرسم لأجلها على الأقل"، عُرضت لأول مرة في 1832 في الصالون الرسمي.
صور ديلاكروا الحرية باعتبارها آلهة رمزية وامرأة قوية من الشعب، يمثل تل الجثث نوعًا من القاعدة التي تنطلق منها الحرية حافية القدمين وعارية الصدر خارج قماش اللوحة ضمن حيز المشاهد. ترمز القبعة الفريجية إلى الحرية خلال الثورة الفرنسية عام 1789، واعتبرت اللوحة بمثابة علامة لنهاية عصر التنوير، إذ يرى العديد من الباحثين أن نهاية الثورة الفرنسية تشكل بداية للعصر الرومانسي.
ينتمي المقاتلون إلى مزيج من الطبقات الاجتماعية، تتراوح بين البرجوازية التي يمثلها الشاب ذو القبعة العالية، وطالب من المدرسة المتعددة التكنولوجية يرتدي البايكورن التقليدية، إلى العامل الثوري الحضري الذي يمثله صبي يحمل مسدسين، واحدًا في كل يد.
يتشارك الجميع في تلك اللوحة بالعزم يبدون في أعينهم، مع العلم الذي تحمله كناية عن الحرية، ويتميز العلم بثلاث ألوان مرفرفًا فوق أبراج نوتردام، ونُوقشت هوية الرجل صاحب القبعة العالية على نطاق واسع، واستبعد مؤرخو الفن الحديث الاقتراح الذي ينص على أن هذا الرجل كان تجسيدًا لديلاكروا نفسه.
استعار ديلاكروا العديد من شخصياته من نسخة مطبوعة للفنان نيكولاس شارليت، وهو فنان أنتج الكثير من الأعمال، ويعتقد أنه صور أكثر من أي شخص آخر الطاقة المتميزة للباريسيين.
اشترت الحكومة الفرنسية اللوحة في عام 1831 مقابل 3000 فرك بهدف عرضها في قاعة العرش في قصر لوكسمبرج، للتذكير "بالمواطن الملك "لويس فيليب من ثورة يوليو، والذي وصل من خلالها إلى السلطة،لم تنجح هذه الخطة فعلقت اللوحة القماشية في معرض متحف القصر لبضعة أشهر قبل إزالتها بسبب رسالتها السياسية الملتهبة،ثم ُ
أُعيدت إلى الفنان ديلاكروا بعد تمرد يونيو من عام 1832 بحسب ما صرح به ألبرت بويم.
سُمح لديلاكروا بإرسال اللوحة إلى عمته فيليسيتيه لحفظها وعُرضت لفترة وجيزة في عام 1848، بعد استعادة الجمهورية خلال ثورة ذلك العام، ثم عُرضت في صالون عام 1855، ودخلت اللوحة مجموعة قصر اللوفر في باريس عام 1874.
تميزت لوحة "الحرية تقود الشعب" بين عامي (1974:1975) في معرض نظمته الحكومة الفرنسية ومتحف المتروبوليتان للفنون ومعهد ديترويت للفنون، كهدية للشعب الأمريكي في ذكرى مرور مئتي عام، وشهد المعرض الذي حمل عنوان اللوحة الفرنسية بين عامي 1774 و1830: عصر الثورة، عرضًا نادرًا للوحة ديلاكروا وللعديد من الأعمال الأخرى التي بلغ عددها 148 عملًا خارج فرنسا، افتُتح المعرض لأول مرة في القصر الكبير من 16 نوفمبر من عام 1974 وحتى 3 فبراير من عام 1975، وانتقل بعدها إلى ديترويت منذ 5 مارس إلى 4 مايو من عام 1975، ومن ثم إلى نيويورك منذ 12 يونيو إلى 7 سبتمبر من عام 1975.
نُقلت اللوحة على متن طائرة إيرباص بولقا من باريس إلى طوكيو عبر البحرين وكلكلتا في رحلة دامت 20 ساعة في عام 1999، ثم نُقلت إلى متحف اللوفر الجديد في لينس باس دي كاليس، لتشكل العمل الرئيسي في أول دفعة من مجموعة متحف اللوفر التي جرى تركيبها عام 2012.
أثرت هذه اللوحة على رواية فيكتور هوجو البؤساء ، فيُعتقد على نطاق واسع أن شخصية جاروتشي مستوحاة من شخصية الصبي الذي يظهر في اللوحة حاملًا المسدسات ويركض فوق المتراس وتصف الرواية أحداث التمرد التي جرت في يونيو بعد عامين من الاحتفال بالثورة في اللوحة، وهو التمرد نفسه الذي أدى إلى إزالتها من الرأي العام.
ألهمت اللوحة فريدريك أوجست بارتولدي في عمله الفني "الحرية تنير العالم" والمعروف باسم تمثال الحرية في مدينة نيويورك، والذي وُهب للولايات المتحدة باعتباره هدية من الفرنسيين بعد مرور نصف قرن من رسم لوحة الحرية تقود الشعب يُبدي التمثال الذي يحمل شعلة في يده، موقفاً أكثر ثباتاً وصموداً من المرأة في اللوحة، تظهر نسخة منقوشة لجزء من اللوحة، إلى جانب رسم لديلاكروا على عملة المئة فرنك في الفترة بين عامي( 1978 :1995).
للوحة تأثير على الموسيقى الكلاسيكية، إذ أطلق جورج أنتيل على سمفونيته التي تحمل الرقم الموسيقي 17سم بعد ديلاكروا، وذكر بأنه استوحى عمله هذا من لوحة الحرية تقود الشعب، وعدل روبرت بالاج الصورة في اللوحة لتتلاءم مع إحياء ذكرى النضال لاستقلال إيرلندا وجسدها على طابع بريدي في عام1979، في الذكرى المئوية لميلاد بادريج بيرسن واستخدمت اللوحة كغلاف لألبوم فرقة الكولدبلاي المعروف باسم فيفا لا فيدا أور ديث آند أول هيز فريندس مع عبارة فيفا لا فيدا المكتوبة باللون الأبيض.
تعرضت لأضرار أثناء عرضها في فرع جديد لمتحف اللوفر بمدينة لانس شمال فرنسا في 7 فبراير 2013 وقال المتحف إن إحدى زائرات المتحف استخدمت قلما لنقش رسالة على لوحة "الحرية تقود الشعب" للفنان ديلاكروا، واعتقلت المرأة 28 عاماً.
جدير بالذكر أن الفنان يوجين ديلاكروا من مواليد 26 أبريل 1798،بشارنتون سان موريس، في فرنسا، وتوفي في 13 أغسطس 1863 في باريس، ينتمي للمدرسة الرومانسية في الرسم، كان استخدامه للون مؤثرًا في تطوير كل من الرسم الانطباعي وما بعد الانطباعي، وكان مصدر إلهامه بشكل رئيسي الأحداث التاريخية أو المعاصرة أو الأدب، وزودته زيارة إلى المغرب في عام 1832 بمزيد من الموضوعات المختلفة، بحسب موسوعة "بريتانيكا".
وتتسم المدرسة التي ينتمي لها ديلاكروا، والتي تنعكس على اللوحة، تقدير عميق لجمال الطبيعة وتمجيد عام للعاطفة على العقل وللحواس، وفحص دقيق لشخصية الإنسان ومزاجه وإمكانياته العقلي، والتركيز على عواطفه وصراعاته الداخلية، ونُظر للفنان باعتباره مبدعًا فرديًا، تكون روحه الإبداعية أكثر أهمية من الالتزام الصارم بالقواعد الرسمية والإجراءات التقليدية، والتأكيد على الخيال كبوابة للتجربة المتعالية والحقيقة الروحية.