مرَّ العالم بعدد كبير من الحضارات والعصور على مر التاريخ، أشهرها العصر الحجري، والعصر الجليدي، ومن ضمن العصور التي شهدها العالم العصر البرونزي، والذي شهد في حدود العام 1180 قبل الميلاد هجوم جحافل اقوام عديدة قادمة من الغرب وجزر البحر المتوسط ، على مدن وحضارات الشرق وعرف بنهاية العصر البرونزي وهجوم شعوب البحر، أتت هذه الشعوب المحاربة من جنوب اوروبا ومنطقة الأناضول وجزر بحر ايجه مدفوعة بجفاف ومجاعات ضربت بلادهم فهاجموا مدن الشرق الأدنى وشرق المتوسط مستخدمين آلاف السفن وأسلحة من الحديد وشكلوا تحالفات من اثنيات واعراق مختلفة.
ووفقًا لكتاب “صراع الممالك ، جاستن ماسبيرو”، غزت هذه الشعوب المحاربة مملكة خيتا الحثية في الاناضول، وذبحت جموع جيوشهم واستولت على كنوزهم الملكية وسبت نساء القصر وانهت مملكتهم، واجتاحت جزيرة قبرص وجزيرة كريت واخضعت ملوكها ودمرت مملكة ميسينيا في اليونان، وهاجمت فرقميش على نهر الفرات وبسطت سيطرتها بعد ان قضت علي اي تواجد اشوري هناك فانكمش الآشوريون في مدنهم وتحصنوا بها.
غزت سواحل الشام ودمرت، وأحرقت مدينة أوغاريت السورية التي كانت إحدى أعظم المدن التجارية بعصر البرونز، وتظهر بعض الواح كتبت بالمسمارية عثر عليها في مدينة اوغاريت قدوم الغزاة استغاثة لم تصل كتبها (حمورابي) حاكم المدينة السورية لملك قبرص جاء فيها “سفن العدو اتت هنا، مدينتي تحترق، لقد فعلوا اشياء شريرة في بلدي”، ولم تصل الرسالة ولم تفلح جهود ممالك خيتا وقبرص واوغاريت وغيرهم في صد الغزاة حيث أحتلت مدنهم واحرقت، واصلت جحافل شعوب البحر الهمجية زحفها حتي وصلت أرض فلسطين الحالية وكان هدفهم الأخير والرئيس هو مصر، لا لنهبها او تدميرها مثل غيرها ولكن لامتلاكها وحكمها والسيطرة على ثرواتها.
ويخبرنا الملك المصري المحارب (رمسيس الثالث) في نقوشه التاريخية عن هذه الاحداث فيقول: " تآمرت شعوب كثيرة في بلادها وسرعان ما زالت بلاد وشردت الحروب اهلها، وتكون حلفهم من الدنانا والشكلش والثكر والبلست والترشو ووضعوا اياديهم علي كل الارض ولم تستطع بلد ان تقف امام اسلحتهم ثم تقدموا نحو مصر لكن انتبه شبكة أعددناها لهم لاصطيادهم وكان اللهب الحارق باتتظارهم.
وفي العام ١١٨٠ تقريبا ، التقت الجيوش المصرية في معركتين منفصلتين مع جحافل شعوب البحر، عند الدلتا التقي الاسطول المصري مع اساطيل الغزاة فيما عرف بمعركة الدلتا حيث وقعت سفنهم في كماشة نصبها لهم ( رمسيس الثالث) وابيدت وأسرت جحافلهم ومعركة اخرى برية في منطقة (جاهي) بفلسطين حيث تقابل الجيش المصري مع الغزاة وتم سحق قواتهم البرية قرب بيت المقدس لتنهي مصر خطرهم وتتقذ الشرق وحضاراته من اكبر نكبة اصيب بها على مدى تاريخه.