بين العديد من الشخصيات المميزة فى رواية ضحى عاصى «غيوم فرنسية». تُشبه شخصية «فضل الله العسال»، أو الكولونيل فضل كما صار فيما بعد، عامود الخيمة، حيث تبدأ به سردية الرواية، ويتقاطع مصيره مع واحد من أعظم الغزاة فى التاريخ الحديث، وهو نابليون بونابرت.
قبل مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر، لم يكن فضل سوى مجرد قبطى مصرى يتم تهميشه والتقليل من شأنه ومن مكانته كإنسان فى وطنه، لأنه تمسك بعقيدته المرتكزة على ديانة سماوية، وكان ممن كان يمارس عليهم منهجية التحقير «شمل يا نصرنى» فلا يحق لهم حمل السلاح، أو ركوب الدواب، وفوق ذلك يتعرضون بين سنة وأخرى للتنكيل والإبادة فى «عكسة» بعد أخرى، ككفار يحل للمسلم دماؤهم وأموالهم متى يشاء وفى كل مكان.
كانت تلك المذابح ضمن سياسة المماليك العثمانيين بهدف إدخال المجتمع المصرى فى دوامة من العدوات الدموية. لكن، كان مجيء حملة نابليون حليفا يدعم الأقباط. بدورهم، قرر بعض كبارهم أن يردوا الجميل لـ« سارى عسكر»، ويشكلوا بقيادة المعلم يعقوب فيلقا من الأقباط يحارب ضمن جنودهم. ليدرَّبهم ضابط فرنسى يدعى فابيان، لمؤازرة الفرنسيين فى مواجهة رموز السلطة العثمانية المملوكية فى مصر.
يترك «فضل الله» -المتزوج من «محبوبة» ابنه جرجس غزال- العمل فى منجرة أبينا عبدالملك، ليلتحق ضمن تلك القوة، التى انصبَّت مهامها على التصدى لمختلف صور مقاومة الاحتلال الفرنسى على أمل أن يساعد ذلك فى إنهاء ما كان يمارس ضدهم من تمييز على أساس دينى، ورغم معارضة «محبوبة»، التى باتت تشعر نحوه بجفاء، حتى أنها قالت له حين حاول استرضاءها: «لا تلمسنى بيدك الملوثة بالدم». لكن، مع ذلك أصرَّ «فضل الله» على استمرار عمله العسكرى ضمن ذلك الفيلق غير آبهٍ بأنه إنما يقتل إخوةً له فى الوطن لمجرد أنهم من دين آخر ويصرون على مقاومة الغزاة الفرنسيين.
لم تمض أشهر حتى انتصرت انجلترا على فرنسا، لتفرض عليها الانسحاب وتسليم مصر للعثمانيين. هنا، يغادر «فضل» مصر ضمن من غادروا مع الفرنسيين على أمل أن يعود إلى ضمن حملة فرنسية جديدة تجابه ظلم المماليك والعثمانيين. تاركًا زوجته التى يقول لها: «لم يأت المسيح ليعلمنا أن نرضخ للظلم». لكنه يستمر فى الجيش الفرنسى ويشارك فى حروب عديدة، ليصعد نجمه، ويترقى، ويستمر فى القتال لصالح نابليون عشرين عامًا. يصير الكولونيل فضل، الذى حصل فى يوليو ١٨٠٦ على نيشان «صليب الليجيون دونور»، مكافأة على دور فرقته التى كانت فى طليعة الجيش الذى كان يحارب الروس فى الجبل الأسود. ثم ينضم إلى لجنة أُنشئت خصيصًا بغرض تطوير القتال خارج أوروبا. كان يقول: «الجسد يتبع الرأس. كنا جسدًا لنابليون لتحقيق حلمه، ألا يمكن أن تنقلب الصورة فأكون أنا الرأس التى تدبر وتقود جيوش نابليون لتحقيق حلمها؟».
ينتهى طموح فضل الله الزيات مع حياته فى فرنسا، عندما جهَّز نابليون نصف مليون جندى -نصفهم من الفرنسيين- لإجبار قيصر روسيا على وقف التجارة مع بريطانيا، وفى ٢٤ يونيو ١٨١٢ تحركت تلك القوات صوب حدود الإمبراطورية الروسية، ولكن غلبهم الإنهاك بعد مسيرة سبعة أسابيع، وفى ١٤ سبتمبر وصلوا إلى موسكو واحتلوها لخمسة أسابيع، قبل أن يضطروا للانسحاب منها، ليهزمهم الصقيع شرَّ هزيمة، وفى النهاية يموت «فضل» متجمدًا فى نهر تريزينا، على بُعد أميال من البر الفرنسى. تاركًا ابنًا يحمل اسمه دون أن يعرف بوجوده من الأساس.