من معالم عظمة مصر وتقدمها، أنها عرفت الإله الواحد، وقدّسته بل وتقرّبت له وقدمت له القرابين، واتخذت مقدسًا من نبات أو طير أو حيوان واعتبرته رمزًا للخير الذي فاض به الرب على شعب مصر، بل ورفعت هذا المُقدس وأعلت من شأنه وبنت له المعابد ونقشت رموزه على جدران المعابد وأطلقت عليه لقب الإله. لم يكن لقب الإله الذي أطلق على هذه المقدسات مقصود به الإله الأكبر خالق الكون، وإنما إله خاص بشأن معين من شئون الحياة، كالزراعة والخصوبة، والنيل، والهواء، كنوع من أنواع العرفان والشكر لهذا المُقدس وفق المعتقد المصري القديم. خلال الشهر الفضيل تصحبكم «البوابة» في رحلة للتعرف على أشهر مقدسات مصر القديمة.
«سيرابيس» هو إله جديد استحدث من الرمز «أوزيريس-آبيس» لتوحيد سكان الإسكندرية من الإغريق والمصريين القدماء، وجد كتمثال بازلتى ضخم، يجسد سيرابيس فى هيئة عجل يحمل قرص الشمس والكوبرا الملكية بين قرنيه، ويشير النقش الموجود على العمود الذى يدعم جسده أنه نحت فى عهد الإمبراطور الرومانى هدريانوس.
ووفق المرويات التاريخية استشار «بطليموس الأول» كلا من «تيموثيوس» الإغريقى و«مانتيون» المصرى كلاهوتيين لكلتا الديانتين الإغريقية والمصرية وكخبيرين من كلا الشعبين، وبعد الحصول على موافقتهما تم جلب تمثال للمعبود الجديد القديم معاً إلى الإسكندرية من «سينوب» على الشاطئ الشمالى لآسيا الصغرى، وأعطى له اسما جديدا هو «سرابيس» وفرضت عبادة ذلك الإله بإرادة الملك والذى كان مصرياً بالاسم والأصل، وإغريقياً فى المظهر الخارجى لتمثاله. وبنى له معبد على الطراز اليونانى وهو «السرابيوم» صممه المهندس «بارمنيسكوس» والذى استبدل فى عهد «بطليموس الثالث» بمعبد أكبر حجماً وأفخم، وكانت اليونانية هى لغة الخدمة. أصبح «سرابيس» الذى استمر المصريون فى إطلاق اسم «أوزير حابي» عليه ذا شعبية ضخمة بين كل المصريين والإغريق، ولقد كان مظهره فى شكل إله العالم السفلى الإغريقى «بلوتو» ومثل جالساً على عرش يغطى رأسه شعر مموج مترف، وله لحية طويلة وفى رداء ذى نقبة طويلة ممثل وهو وينحنى على عصا طويلة ممسكاً إياها بيده اليسرى، بينما تستقر يده اليمنى على المخلوق الخرافى المسمى «سربروس»، ذى الرأس الثلاثى، وكان الإغريق يعتقدون أنه يحرس بوابة عالم الموتى، وهو كلب ذو ثلاثة رؤوس وكان يقبع عند قدميه، ومن الإسكندرية عاد مرة أخرى «سرابيس» إلى منف حيث سميت الجبانة القديمة للعجول المقدسة باسم «سرابيوم» وتدريجياً انتشرت عبادته فى كل الأقاليم ليصبح العقيدة الرسمية لإمبراطورية البطالمة.
أما العجل «أبيس» الذى كان يُسمى فى عصر الدولة الحديثة «تكرار بتاح» فأصبح بعد وفاته مرتبطاً «بأوزوريس» للدرجة التى أصبحا فيها عملياً معبوداً واحداً هو «أوزير حابي»، وأن الصلة بين «آبيس» والميت يمكن ملاحظتها مبكراً منذ العصر الصاوى عندما وجد تمثيلاً للعجل «آبيس» وهو يجرى حاملاً الميت على ظهره وناقلاً إياه إلى المقبرة منقوشاً عند أقدام التوابيت.