صعدت موسكو الموقف العالمي للغاز بعدما أبلغت الدول الأوروبية أنها بدأت تحصيل مدفوعات الغاز الروسي بالروبل، وذلك بعد أن وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما ينص على أنه يجب على المشترين "فتح حسابات بالروبل في البنوك الروسية" اعتبارا من يوم الجمعة للدفع بالروبل مقابل الحصول على الغاز، وبالتالي ستكون الدول الأجنبية "غير الصديقة" – بحسب ما وصفت موسكو- أن عليها البدء في دفع ثمن الغاز بالروبل وإلا ستقطع الإمدادات عنها.
وقال بوتين في كلمة له مؤخرًا: "لا أحد يبيع لنا أي شيء مجانا، ولن نقوم بأي أعمال خيرية أيضا"، وهو ما وصفه محللون أنها محاولة من جانب بوتين لتعزيز قيمة الروبل الذي تضرر من جراء العقوبات الغربية.
ويعني القرار الروسي أنه سيتعين على المشترين الأجانب للغاز الروسي فتح حساب في مصرف "غازبروم بنك" الروسي وتحويل اليورو أو الدولار إليه. وسيقوم المصرف بتحويل هذه العملات إلى روبل ليستخدم بعد ذلك لدفع ثمن الغاز.
وقال بوتين إن التحول إلى الروبل يهدف إلى تعزيز سيادة روسيا، وإنها ستلتزم بالتزاماتها في جميع العقود، إذا التزمت الدول الغربية بذلك، فيما أكدت ألمانيا أن التغيير الذي أعلنه بوتين يرقى إلى مستوى "الابتزاز".
لكن منذ بدء الحرب في أوكرانيا، أصدرت الدول الغربية عقوبات اقتصادية وتجارية على روسيا. ولم يفرض الاتحاد الأوروبي حظرا على النفط أو الغاز، على عكس الولايات المتحدة وكندا، إذ تعتمد الدول الأعضاء فيه بشكل كبير عليه.
ويحصل الاتحاد الأوروبي على حوالي 40٪ من احتياجاته من الغاز و30% من النفط الذي يستخدمه من روسيا، وليس لديه بدائل سهلة إذا تعطلت الإمدادات، فيما تحصل روسيا على 400 مليون يورو يوميا من مبيعات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وليس لديها أي وسيلة لإعادة توجيه هذا الإمداد إلى أسواق أخرى.
وتوقع خبراء اقتصاديون أن تخلق نقص إمدادات الغاز الروسي أزمة عالمية في الطاقة، وبخاصة على أوربا، الأمر الذي ينعكس على ارتفاع أسعار معظم السلع في دول العالم.
وفي هذا الشأن، قال الدكتور ماجد عبد العظيم، الخبير الاقتصادي، إن المرسوم الصادر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سينعكس بآثار كبيرة على أسعار الغاز في العالم وبخاصة في الدول الأوروبية التي تعتمد بقوة على إمدادات الغاز الروسي.
وأضاف عبد العظيم أن الدول الأوروبية لديها مخاوف وبالتأكيد نحن أمام موجة جديدة من ارتفاع أسعار الغاز، ومخاوف كبيرة من توقف إمدادات الغاز الروسي، وتواجه أسعار الطاقة بشكل عام ارتفاعات متتالية.
وتابع: "روسيا مضطرة لهذه الخطوة بعد العقوبات المتتالية من الغرب ضد موسكو، وهناك عقبات بالتأكيد على هذا القرار وبخاصة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا"، مشيرا إلى أن بدء تحصيل المدفوعات الأوروبية بالروبل سيجبر أوربا على البحث عن دول أخرى لتوفير إمدادات الغاز، كما سيزيد من الطلب العالمي على الروبل مما سيرفع من صرف الروبل أمام الدولار واليورو، وستحسن من موقف الروبل مقابل الدولار بلا شك.
ورأى "عبد العظيم" أن الدول الأوروبية وبخاصة الصناعية منها يتكون في أمس الحاجة لتوفير احتياجاتها، ومن ثم ستطر في النهاية للرضوخ لقرارات بوتين أو البحث عن بديل لتوفير احتياجاتها من الغاز بشكل عاجل، محذرا من أن الأزمة تزيد من موجة ارتفاع الأسعار في العالم أجمع.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي عمرو سليمان، إن الصراع العسكري في أوكرانيا خلقت صراع أكبر على الجانب الاقتصادي، فالغرب وأوروبا أمام موقف صعب في ظل توقف إمدادات الغاز الروسي، وفي المقابل سيعاني الاقتصاد الروسي حال استمرت الأزمة، فنهاية فصل الشتاء يعيط أوروبا المزيد من الأريحية في التعامل مع أزمة نقص إمدادات الغاز، أما الاقتصاد الروسي سيكون أكبر الخاسرين من الأزمة.
وأضاف "سليمان" أن تلويح أوروبا بحل الملف الإيراني للحصول على الغاز الإيراني وتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي، وهو ما يعقد من موقف روسيا التي لا تمتلك المزيد من الخيارات في مواجهة التصعيد من أمريكا والغرب.
وتابع: "المواطنون من أبناء الطبقة المتوسطة يدفعون ثمن الحرب، فالأسعار العالمية كل يوم في ارتفاع والعالم أجمع يخسر من استمرار الحرب، والدول التي لديها فائض في إنتاج الطاقة وبعض المستثمرين وتجار الحروب هم أكثر المستفيدين من الأزمة".
وأكمل قائلا: "حال تطور الأزمة وامتدادها إلى السلع الاستراتيجية والغذائية، ستكون مصر والجزائر أمام فرصة سانحة من أجل توفير الاحتياجات الأوروبية من السلع الغذائية، إلا أن إمدادات القمح ستظل أزمة أمام أوربا على الأجل القريب، لأنه لا توجد بدائل تعوض احتياجات العالم من القمح".