لاعبنا الدولي محمد صلاح هو أحد أهم اللاعبين المصريين والعرب الذين حقَّقوا نجاحًا عظيمًا في الاحتراف الخارجي في عالم كرة القدم. صلاح بأدائه الرائع وسلوكه القويم وتواضعه الجم، نجح في أن يحقق لنفسه ولبلده، بل وللعرب والمسلمين صورة جيدة، ومغايرة تماما للصورة النمطية التي تعلق بأذهان الغرب عن العرب والمسلمين. ولقد تأثرت كثيرا بعد إخفاقات فريقنا القومي لكرة القدم في الحصول على كأس العرب، وكأس أفريقيا، وعدم التأهل لكأس العالم، بعد لقاء عصيب ومشحون جماهيريًا مع منتخب السنغال العنيد. لا أظن أن صلاح أو أي لاعب بمفرده يتحمل مسؤولية عدم التأهل لكأس العالم، وأعتقد أننا ظلمنا صلاح عندما حمَّلناه مسؤولية الصعود بالفريق الوطني إلى نهائيات كأس العالم في قطر، حيث إن صلاح مهما كانت إمكانياته ومقدرته علي تسجيل الأهداف، فإنه لا يمكن أن ينجح بمفرده، أو بمجموعة صغيرة من زملائه المحترفين، على أن يتغلب على الفِرَق الأفريقية القوية التي تمتلك فريقًا متكاملًا من اللاعبين المحترفين في أكبر الأندية الأوروبية.
الظلم الذي وقع على صلاح، يجعلنا نفكر بهدوء وبعد انتهاء العاصفة، عما يجب فعله لكي يكون عندنا فريق من المحترفين على غرار الفرق الأفريقية الأخرى، أو أن ننهض بمستوى الدوري المحلي لكي يقدم لنا لاعبين محليين على مستوى رفيع، وهو ما لم يتحقق بعد. أعتقد أنه لا يوجد أدنى شك أن الدوري المحلي المصري حاليًا ليس في أحسن حالاته، ولن أكون مُبالغًا إذا قلت: إن الدوري المصري حاليا ربما يكون في أسوأ حالاته منذ عشرات السنين، لدرجة جعلت الكثير منا قد عزفوا عن متابعته، وباتوا يتابعون الدوريات العالمية بعدما فقدوا الأمل في مشاهدة مباريات جيدة تحقق للمشاهد المتعة، وفي نفس الوقت ترتقي بمستوى اللاعبين المحليين كذخيرة للفريق الوطني في اللقاءات الدولية.
صلاح مظلوم؛ لأنه لا يمكن أن يكون بديلًا عن الفريق، مهما كانت حرفيته ومهارته الشخصية التي لا شك فيها. والفريق أيضًا مظلوم؛ لأنه لا يوجد به العدد الكافي من اللاعبين القادرين على اللعب الدولي، والفارق بين فريقنا القومي والفرق الأفريقية سواء في شمال أفريقيا (تونس والجزائر والمغرب) أو أسفل الصحراء الكبرى (السنغال وساحل العاج ونيجيريا والكاميرون وجنوب أفريقيا) يزداد عامًا بعد آخر.
الواقع أن الفِرَق الأفريقية، بصفة عامة تشهد تطورًا مُتسارعًا في مستواها الفني، ويتحسن أداء لاعبيها بوتيرة مضطردة، بالإضافة إلى القوة البدنية، والسرعة والروح القتالية التي يتمتع بها اللاعبون الأفارقة.
اللعبة الجماعية مثل كرة القدم مثلها مثل أي عمل جماعي تحتاج إلى ثلاثة عناصر أساسية لكي تحقق النتائج الإيجابية (outcome)؛ وهي: تكوين الفريق المحترف (structure)، وطريقة الأداء المتكاملة (process)، بالاضافة إلى إدارة الفريق بطريقة علمية (coaching). هذه الثلاثة عناصر تسمى في علم الإدارة:
The structure-process-outcome triad.
وبالنظر إلى فريقنا القومي لكرة القدم، نجد أنه ينقصنا المزيد من العمل ومن الإصلاح الهيكلي لكي نُحقّق النتائج المرجوة. وأولها: اختيار قيادة مصرية للفريق، ولعل إدارة الكابتن حسن شحاتة، في البطولات الأفريقية، وإدارة الكابتن محمود الجوهري (رحمه الله) في التأهل لكأس العالم ١٩٩٠، هما خير مثال على ذلك. ويجب تشجيع الاحتراف الخارجي، ولعل تجربة محمد صلاح والتي أتت من نادي المقاولين العرب (أي من خارج القطبين المتناحرين الأهلي والزمالك)، والارتقاء بالدوري المحلي، والبحث في أندية الأقاليم عن المواهب الشابة وتدريبها وثقل موهبتها وتقديمها للفرق المحلية والتسويق لها خارجيًا.
الطريقة التي تسير بها الرياضة المصرية لم تعد مناسبة للعصر، حيث إن الرياضة في العالم قد أصبحت مهنة واحتراف، ولها قواعد علمية، وإدارة مادية، وتسويق محلي ودولي، وبيزنس تعدت أرباحه البلايين من الدولارات.
رجال الأعمال (ومنهم عرب ومصريون معروفون)، أصبحوا يستثمرون أموالهم في الأندية الرياضية، وأنا شاهد على تجرِبة بعض الأندية الإنجليزية التي تحولت من أندية فاشلة إلى أندية تنافس على قمة الدوري الإنجليزي والبطولات الأوروبية مثل نادي مانشستر سيتي، (أول الدوري الانجليزي حاليًا)، ونادي ليستر سيتي. الناديان كانا يُصارِعان السقوط، إلى أن اشتراهما مستثمرون أجانب، وحققا معهما النجاح.
التحليل الموضوعي لنتائج الفرق الرياضية المصرية حاليًا، يتناسب مع الظروف التي تشهدها الساحة الرياضية المصرية، ولذا فليس من الإنصاف تحميل اللاعبين مسؤولية الإخفاقات المتكررة. بالعكس، يجب الاعتراف أنه من غير المتوقع أن تتغير النتائج في ظل الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة حاليا.
وبالنسبة لمحمد صلاح، فهو حكاية مصرية ملهمة، وأيقونة للنجاح ومثال وقدوة للشباب في الوطن العربي. ولن يقلل من شأنه الخسارة لمباراة، أو عدم التوفيق في تسديد ضربة جزاء. ما حدث في السنغال من اعتداء بدني ونفسي كان مُستهجنًا من الصحافة العالمية؛ ولذا فإن سلوك الجمهور المهووس أو الموتور أو الحاقد، تجاه صلاح، لا يُقلِّل من قدره، ولا ينتقص من شعبيته؛ ولذا أرجو أن نتخطى أزمة عدم التأهل للمونديال، رغم الإحساس بالألم الذي نشعر به جميعًا، وأدعو الله أن تتحسَّن أحوال الرياضة المصرية، وأن يكون عندنا أكثر من صلاح في أكثر من مجال.