فى رواية «مولانا» لإبراهيم عيسى، يُمثّل الشيخ حاتم الشناوى الطبعة الراقية فى عالم رجال الدين المحترفين، الذين يجسدون طبيعة المجتمع المصرى الحالى. والذين يظهرون فى البرامج الفضائية، ويحصلون على نصيبهم من كعكة الإعلانات، مستخدمين التكنولوجيا التى «قد لا تتوافق مع الصورة النمطية التقليدية الشائعة لرجل الدين عبر عشرات العقود السابقة»، كما يقول الناقد الكبير مصطفى بيومى فى موسوعته «رجل الدين فى الأدب المصري».
يُمثل الشيخ حاتم الوتد الأهم فى خيمة البناء الروائى فى حكاية عيسى. رجل فى منتصف الأربعينيات. ثقافته الدينية رفيعة، مرح، خفيف الدم، حاضر النكتة - مثل الأغلب الأعم من المصريين- بينما فى أفكاره ورؤاه مزيج من السخرية والمرارة. لكنه يعرف فى قرارة نفسه واقعه، فيستنكر فى حواره مع أبيه أن يكون شيخًا. يقول: «أنا تاجر علم».
يبدأ حاتم الشناوى رحلة الصعود والنجومية بكتابة باب«تفسير الأحلام» فى جريدة مسائية، رغم انه يُنشر باسم شيخ آخر، لكن، تقوده الصدفة إلى الظهور غير المتوقع فى برنامج اعتذر الشيخ المستضاف فيه.
سرعان ما يبدأ القفز الصاروخى إلى الشهرة، وصولًا إلى نجل الرئيس الذى يستعين به لإعادة شقيق زوجه إلى الإسلام، حرصًا على استقرار البلاد ومستقبله السياسى فى المقام الأول.
يبدو التنافس بين مشايخ الفضائيات قاعدة راسخة لا يمكن إنكارها أو إهمالها. يلتقط مصطفى بيومى مثالًا من الرواية بعيدًا عن قنابل الدخان الممثلة فى الشعارات الدينية وأوهام الرسالات والمبادئ والانتصار للشريعة والقيم الأخلاقية.
ففى جلسة طعام ودعاية سياسية يرعاها مليونير ذو نفوذ سياسى طاغى، يشتبك حاتم مع زميله صاحب فتوى إرضاع الكبير، الذى يقول هاجيًا بلا رحمة: «وأنت مالك يا حاتم يا مفتى المراهقين بكلام شيوخك وأساتذتك الذين يكبرونك فى المقام والمقال ويُعلمونك من حسن الأدب ما لا تعلم».
فى السياق نفسه، يكن متشددى الفضائيات كراهية أخرى، أو كما كتب عيسى «يبررون هذه الحفاوة الإعلانية الراعية لحاتم بأنه يقول الدين الذى يحبه العامة، دين الرقائق دين الحواديت، وتسبيل الأعين وذرف الدموع والفتاوى الموسعة الميسرة، دين النساء وربات البيوت اللاتى تغزو مكالماتهن كل برامجه، لكنهم يتمنون إعلاناته ويحاربون من أجل ألا تتحول إعلانات برامجهم إلى إعلانات البيع المنزلى، وعرض البضائع بأسعار مخفضة مع خدمة التوصيل».
الشيخ حاتم أيضًا ممثل محترف يعرف قواعد اللعبة جيدًا. أو كما يقول إبراهيم عيسى على لسانه: «لا أتكلم بعلمى فى اللقاءات والبرامج، أنا أتكلم بما لا يصدم الناس إلا بمقدار، رفقة بهم وترفقًا بنفسي». لكن بعيدًا عن لعنة الحسابات وعيون وأذان الرقباء، يقول ما لا يستطيع أن يعلنه على الملأ.
يؤكد الناقد مصطفى بيومى أن إدانة الشيخ حاتم ليست منطقية، والدفاع عنه وتبرير سلوكه ليس ممكنًا، يقول: «إنه حالة تعكس روح العصر وتعبر عنه، وهو إفراز لطبيعة المجتمع الذى يعانى من تمزقات وتشوهات لا ينجو منها الأفراد ولا يستطيعون النجاة». موضحًا أنه إنسان فى نهاية الأمر، له ما له وعليه ما عليه «ومع تورطه الواعى فى ألاعيب السياسة وبهلوانية الإعلام الذى يمثل جزءًا أصيلًا من إيقاع الحياة المصرية، فإنه يحتفظ فى أعماقه بذلك الحس الإنسانى المتوهج الذى يتجسد عبر سلسلة لا تنتهى من السخريات الموجعة، يقف من خلالها فى المنطقة الوسطى بين الجد والهزل، فإذا به يربك من يستمعون ويتركهم فى حيرة لا نهائية».