الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أشعة مقطعية على المخ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت العيادة تعج بالمرضى، الكل يمسك برأسه لكن انعكاس الألم على الوجوه مختلف، بين الحزن والضحك مئات الخطوط من الألوان، لم يصل أحد إلى لون الفرح غير الطبيب الذي خرج من حجرته مبتسما مطلوب من كل مريض أشعة مقطعية على المخ.

قلنا في صوت واحد الأمر لا يستدعي فقط نشعر بالدوار!.

الطبيب: زيادة اطمئنان.

مسك الأشعة تلو الأخرى يرمقها ويكتم ضحكاته تارة ويكتم غيظه تارة.. ثم قال: زوربا يتعارك مع ساديوماني وخطوط الليزر تتلاعب بالأحرف تستدعي الميم من آخر الحلم لأوله تستبدل موضعها مع حرف الحاء.. حلم، ملح، من عذب لأجاج.

قلت: عاود يا حكم الفار سنوات العمر وامنحني دقائق أو ركلة حظ أو حتى تسديدة أمل من على خط المرمى.

فحص وقال: مخ يشحذ مؤونة رمضان ويفكر في توفير السمن لكعك العيد وسعر الدولار وأيهما أطعم الفرخة السادة أم تلك المخلوطة بالفيجتار.

قلت: جد هذا أم هزار؟.

الطبيب: أنظر وتأمل: في الفص الأيسر كراكيب بها لائحة للأسعار وورق يحمل بقايا أشعار وكتب بلا أغلفة وأناس دون وجوه وغصون من حب ذبلت وعلامات تعجب واستنكار وعصافير تغرد لحنا على عود وجيتار وجيفارا يدخن سيجار وثومة تشدو الأطلال وهتلر يذبح أطفال وبوتين يشعلها نار وآذان المغرب بعد الإفطار.

أما الفص الأيمن.. فبه قلم يبدو "محتار" ما بين الجنة والنار فالكذب يدخله الجنة الآن والنار هناك، وصدق يدخله هناك الجنة والآن النار، بئر دوار يوم ساقيه ورع وجل من الأبرار، ويوم سقياه من الأشرار، نفس تأكل روح، جو حار برغم سقوط الأمطار، عداد للأرقام تمحى وتكتب شاشته عشرات المرات لا رقم ثابت ولا أصفار، أسفار دون طريق وأسفار في الإنجيل وفي القرآن، جثمان مدفون في المسافات والروح تنقب في الفراغات سماوات تحتضن الأرض وهواء يهرب من ثقب الباب لا يجد نهار، أزهار من شوك وأفكار للزينة في سوق للعميمان.

وماذا أيضا يا طبيب؟ 

قال: أظنك عسقد.

.. فسر أرجوك!

أي أهبل أو عندك لوثة.

..أنا أعقل واحد في العنبر يا دكتور، أنا أدرس منطق في جامعة جدي حتحور منذ قرون لكن سالومي شغلتني، خدعت نيتشه وخدعتني، أصبحت مدينا بترليون لصندوق العشق الدولي وأخذت بضع سنين من غد أعمار الأحفاد النضف والعلقة، لأسدد دينا للأمس المنصرم من أعوام ولت تنتظر الفجر.

أنا يا طبيب المخ مكتوب لي في اللوح موت مرة وخفت، فكيف يكون الخوف ومت مرات قبل الموت! هل عندك وصفة عيش لمريض يأكل روحه.. ينهش جسده.. يعيش بالإيجار في سكنه ينقل حلمه وأثاثه من ضيق إلى أضيق حتى يوفر وعدا فيصبح وغدا.

الطبيب: الحالة حرجة تستدعي استئصال المخ!.

.. خذه يا دكتور إنها حرب جماجم إما الكسر وإما الأسر وإما الاستئصال.

لكن أليست معجزة طبية تلك يا دكتور؟

أنني أحيا 

مازلت أحاول 

اهزي أحيانا 

وأموت كثيرا 

لكن مازلت أعيش 

وأحب 

وأحلم

وأحيانا أضحك.