رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فانوس رمضان يضيء الأسواق في "عتمة الركود".. الخيامية والبلاستيك أحدث موضات 2022.. بركات صفا: الأسعار مستقرة ولم ترتفع عن العام الماضي

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قبل ما يقرب من 1100 عام، تعرف المصريون على الفوانيس، وبات ضيفًا على رمضان كل عام، ورغم كثرة الأحاديث حول تاريخ صناعة الفانوس، وكيف بات واحدًا من العادات الكلاسيكية التى يشتهر بها شهر رمضان؛ إلا أن معظم المصادر التاريخية أجمعت أن فاطمية الفانوس، أى أن عصر صناعته وانتشاره كانت خلال العصر الفاطمى.

ورغم الأزمة المالية التى تعيشها عديد من الأسر المصرية، على إثر هبوط سعر الجنيه أمام الدولار خلال الأيام الماضية، إلا أن سوق الفانوس فى مصر لم تعان من الركود، إذ وفقًا لبيانات الغرف التجارية، بلغ عدد الفوانيس التى تمت صناعتها أكثر من 2 مليون فانوس.

فى البداية، يقول عم محروس، أحد صناع الفوانيس بمنطقة الغورية، إن الفانوس المصنوع من قماش الخيامية يحتوى على ألوان عدة منها الأزرق والأحمر، كما يتم تصنيع عدة أشكال أخرى غالبًا تكون كرتونية أو شخصيات مشهورة مثل محمد صلاح.

ويُضيف أن صناعة الفانوس القماش أرخص من الفانوس المصنوع من الصاج أو النحاس، متابعًا أن الإقبال هذا العام يعد أقل من العام الماضى، كما أنه ومنذ العام ٢٠١٧، وصناعة الفوانيس لم تعد كما كانت قبل ١٠ سنوات أو أكثر، بسبب ارتفاع الأسعار.

ويُوضح عم محروس، أن صناعة فانوس الخيامية تبدأ بتصميم شكل الفانوس عبر أعمدة غالبًا تكون خاماتها من الصاج، ثم يتم تفصيل القماش على حسب هذا الهيكل، ثم تتم خياطته باليد، وأخيرًا يتم تزيين الفانوس سواء بخيوط مزركشة أبيض وأحمر وأخضر، أو غيره، على حسب السائد فى السوق.

ويلفت عم محروس إلى أن أسعار فانوس الخيامية تبدأ من ٤٠ جنيهًا وتتدرج إلى ٥٥ جنيهًا، و٦٠ جنيهًا وحتى ٧٥ وصولًا إلى ١٢٠ جنيهًا حسب حجم الفانوس، مشيرًا إلى أن فانوس الخيامية تعتبره بعض الأسر قطعة من الديكور، لذا غالبًا ما تجده معلقًا فى بهو الفنادق أو فى الشوارع أو على واجهات المحلات.

كما أنه أحيانًا يتخذ أشكالا مميزة مثل عربة الفول أو مدفع الإفطار، أو شكل سبايدر مان، وفقًا لعم محروس، مضيفًا أن الفانوس الخيامية واحد من الفوانيس الجديدة على الشارع المصرى، فغالبًا كان يتم صناعة الفانوس من الصاج أو النحاس، ولكن الأزمات المالية وارتفاع الأسعار جعلت هناك طلب على فانوس الخيامية.

الفانوس النحاس.. أقدم فانوس مصري

أحمد عبد التواب، صانع فوانيس بمنطقة تحت الربع، أحد أشهر المناطق التى تشتهر بصناعة الفوانيس، إن لم تكن تحتكرها حرفيًا، يقول، إن أسعار الفوانيس النحاسية تبدأ هذا العام من ٦٠ جنيها للفانوس ومتوافر بألوانه المتعددة، فيما تصل أسعار الفوانيس النحاسية متوسطة الحجم ومزركشة على شكل نجمة أو تاج ما بين ٣٠٠ إلى ٣٥٠ جنيها، ويصل الحجم الكبير منها إلى ٦٥٠ جنيها للفانوس.

ويُضيف أن الفانوس النحاس يعد أقدم فانوس مصرى فى التاريخ، ذلك لأنه هو الذى استقبل به المصريون جوهر الصقلى عندما جاء إلى مصر قبل أكثر من ١١٠٠ عامًا، لكن هذا الفانوس يواجه ركود بسبب ارتفاع سعره مقارنة بالفوانيس الأخرى المصنوعة من الصاج والقماش، ذلك بسبب ارتفاع خام النحاس.

ويُشير عبد التواب إلى أنه يعمل بمهنة صناعة الفوانيس منذ ٥٠ عامًا، وخلال هذه الفترة مرت صناعة الفوانيس بمراحل متعددة، إذ خلال الثمانينيات والتسعينيات وقبلها، كانت الصناعة أكثر ازدهارًا، لكن خلال الألفية الجديدة واجهنا صعوبة بسبب استيراد الفانوس الصينى، لكن خلال السنوات الأخيرة لم تتوقف العقبات على ارتفاع أسعار الخامات فقط، لكن تراجع حجم البيع مقارنة بتلك الأعوام السابقة، رغم التجديد فى صناعة الفانوس الذى بات يتخذ أشكالًا عدة، ولم يعد يتوقف على شكله التقليدى.

ويحكى، أنه حاليًا توجد فوانيس مرسوم عليها محمد صلاح، وفوانيس أخرى مرسوم عليها آيات قرآنية، وفوانيس على شكل بوجى وطمطم، وغيرها من الأشكال الجديدة التى تجذب انتباه الأطفال وحتى الكبار، لافتًا إلى أن حركة البيع هذا العام أقل من العام الماضى.

الفانوس الصينى فى مصر

رغم إصدار وزارة التجارة والصناعة قرارًا عام ٢٠١٥ بوقف استيراد الفوانيس المستوردة، إلا إن بعض المستوردين يحاولون التحايل على هذا القرار عبر استيراد الفوانيس الصينى عبر إدخالها على أنها أدوات مكتبية أو غيره.

وكانت وزارة التجارة والصناعة، أصدرت فى ٢٠١٥، قرارًا حمل رقم ٢٣٢، يمنع استيراد المنتجات ذات الطابع التراثى والفلكلورى ومنها الفوانيس فى محاولة للتخفيف عن عبء توفير الدولار من جانب، وتشجيع الصناعة المحلية من جانب آخر.

وبحسب النشرة السنوية للتجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام ٢٠٢٠، تم خلال عام ٢٠١٩، استيراد فانوس سحرى على أنه أجهزة عرض صور غير متحركة، وبلغ حجم المستورد منها ١٥٣٤٠ قطعة بلغت قيمتها نحو ٥٣ ألف دولار.

وكان عدد من نواب البرلمان تقدموا بطلبات إحاطة لرئيس مجلس النواب للتحقيق فى الأمر، خاصة أن صناعة الفوانيس تعد واحدة من الصناعات الابتكارية المحلية التى يجب العمل على الاحتفاظ بها، خوفًا عليها من الاندثار.

مراحل صناعة الفانوس

يقول أبو أحمد إن الفانوس يمر بعدد من مراحل الصناعة حتى يكتمل، قد تصل إلى ٤ مراحل على الأقل، شارحًا المرحلة الأولى تبدأ من تفصيل هيكل الفانوس حسب النموذج الذى تم إعداده داخل الورشة وأحيانًا يُطلق عليها الصنايعية «تقفيل العفشة».

ويُضيف، أما المرحلة الثانية، فيتم فيها قص قطع الفانوس بحيث تتوافق على الشكل والقياس المطلوب، لافتًا إلى أن أجزاء الفانوس يُطلق عليها «كعب الفانوس وهى قاعدة الفانوس، ثم القبة وهى أعلى جزء فى الفانوس، والدلاية أو العلاقة التى يُمسك منها الفانوس، وأحيانًا يتدلى من حواف قبة الفانوس عدد من الشرائط المستطيلة تسمى دلايات، وقد يكون للفانوس باب يفتح ويقفل لوضع الشمع فى بداخله.

ويحكى أبو أحمد، أنه فى بعض الأحيان، يكون الفانوس دون باب ويسمى «عرق» وهى عبارة عن قاعدة يسهل فصلها عن الفانوس تسمى «كعب» يعلوها الشماعة التى تُوضع فيها الشمعة، ثم تُرشق فى الفانوس. متابعًا أن أجزاء الفانوس تدخل إلى المكبس لتشكيلها وتخريمها.

ويُتابع، أن المرحلة الثالثة من صناعة الفانوس يُطلق عليها «السندقة»، وهى عبارة عن لى أو ثنى الحواف المدببة للصاج أو النحاس المستخدم فى الصناعة، لضبط حواف الزجاج، مضيفًا أن المرحلة الرابعة من هى عملية صناعة مفصلات الفانوس وتحديد فتحاته، ويتم استخدام أدوات يدوية صغيرة لتشكيل الفانوس ووضع الزجاج الملون له.

٣٠ ٪ تراجعا فى نسبة بيع الفوانيس

يقول علاء عادل، سكرتير شعبة الأدوات المكتبية بغرفة تجارة القاهرة، وأحد صُناع الفوانيس، إن صناعة الفانوس هذا العام أقل من الماضى، لضعف فى الإقبال من جانب المواطنين على شراء الفوانيس.

وأضاف أن نسبة بيع الفوانيس هذا العام أقل بنسبة ٣٠٪ عن السنة الماضية ٢٠٢١، مرجعًا ذلك إلى ارتفاع الأسعار خلال الفترة الماضية. وأشار إلى أن الفانوس المصرى لا توجد زيادات فى أسعاره حتى الآن، وأن هناك فوانيس أسعارها أقل من ٢٠ جنيهًا تُصنع من الخشب.

وتابع، أن أسعار الفوانيس لم تتأثر بالزيادة الأخيرة فى سعر الدولار، بسبب أن صناعة الفانوس تتم قبل أشهر من الآن، وأن المرحلة الحالية هى مرحلة بيع فقط، ذلك لأن أغلب الورش والمصانع انتهت فعليًا من صناعة الفوانيس.

وأشار سكرتير شعبة الأدوات المكتبية إلى أن هناك اكتفاء ذاتيا من الفوانيس بسبب تعدد أشكاله، لكن لم يصل حجم إنتاج الفوانيس إلى أكثر من ٣ ملايين فانوس على الأقل حتى الآن، لافتًا إلى أن أغلب ورش ومصانع الفوانيس تريد أن تبيع الفوانيس التى لديها، لأنه إذا لم يتم البيع خلال الفترة الحالية ستظل هذه الفوانيس داخل الورش للعام المقبل.

ولفت إلى أن هناك محاولات من بعض الورش والمصانع لعمل فوانيس تشبه تلك التى كانت تستورد من الصين خلال الفترات الماضية، حيث يتم صناعة فوانيس حاليًا من البلاستيك تكون أكثر جمالًا وتناسقًا من الفانوس المصرى، لكن الفانوس الصينى » لسه محدش قرب من شكله».

وأوضح سكرتير شعبة الأدوات المكتبية، أن هناك بعض المستوردين الذين يقومون باستيراد الفانوس الصينى تحت بند «الألعاب»، حيث يكون شكل الفانوس عبارة عن لعبة «عروسة، سيارة» أو غيرها من الأشكال التى تغنى أغنية رمضان المشهورة «وحوى يا وحوي».

فى نفس السياق، يقول بركات صفا، عضو مجلس الأدوات المكتبية ولعب الأطفال باتحاد الغرف التجارية، إن أسعار الفوانيس هذا العام لم ترتفع عن العام الماضى، إذ لم تؤثر عليها ارتفاعات الأسعار الأخيرة بسبب أن مراحل التصنيع كانت قبل هذه الزيادة السعرية.

بركات صفا، عضو مجلس الأدوات المكتبية ولعب الأطفال

وأضاف، أن أسعار الفوانيس تبدأ من ١٠ جنيهات وحتى ١٥٠٠ جنيه، مشيرًا إلى أن الفانوس المصرى بدأ يتم استيراده من دول أخرى مثل المملكة المتحدة والإمارات العربية، حيث يتم تصدير عدد لابأس به من الفوانيس.

وأشار إلى ابتكار تصنيع الفوانيس من البلاستيك والذى يعد الأول من نوعه، إذ غالبًا ما كان يتم استخدام النحاس أو القصدير أو الصاج فى صناعة الفانوس، لكن تم إدخال البلاستيك كعنصر أساسى خلال الفترة الماضية.

ولفت عضو شعبة الأدوات المكتبية إلى أن الفوانيس صناعة مصرية خالصة، مطالبًا بضرورة استثناء وحدة الصوت والضوء التى تدخل فى صناعة الفوانيس من قرار حظر الاستيراد طبقًا لقرار وزارة التجارة والصناعة رقم ٤٣ الصادر سنة ٢٠١٦، والذى يحظر استيراد الأجزاء المفككة، إذ إن هذه القطعة بات سعرهًا مرتفعًا، وهى التى تسببت فى ارتفاع أسعار بعض أنواع الفوانيس.

أصل كلمة فانوس

يقول الدكتور محمد الكحلاوى، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الأثار فى جامعة القاهرة ورئيس اتحاد الأثريين العرب، إنه وبحسب عدد من المصادر التاريخية، ظهر الفانوس فى العصر الفاطمى وتحديدًا فى بدايته عند تولى المعز لدين الله الفاطمى حكم مصر.

ويُضيف، أن الخليفة الفاطمى المعز لدين الله تعود أن يخرج لاستطلاع هلال شهر رمضان بنفسه، وعند خروجه من قصره كان خدمه وحاشيته يخرجون حاملين فوانيس لإضاءة الطريق أمامه، لذا تعود الأهالى على الالتفاف والتجمهر حول موكب المعز، وبالتالى باتت عادة منذ تلك الفترة، لكن الفوانيس كانت تستخدم أصلًا لإنارة الشوارع والطرقات قديمًا.

ووفقًا لعدد من المصادر التاريخية، فإن كلمة «فانوس» دخيلة على اللغة العربية، ولا يعود أصلها إلى اللغة، ويرد بعض المؤرخين وعلماء اللغة كلمة فانوس إلى اللغة اليونانية القديمة، ويقولون إن الكلمة تعنى «النور» فى اليونانية القديمة.