لا يخلو أي مهرجان سينمائي، سواء تسجيلي أو قصير أو روائي طويل داخل مصر أو خارجها، إلا وتجد الناقد الفني طارق الشناوي، على قائمة حضوره، فهو متابع جيد للحركة السينمائية والدرامية، ولا يمر أي عمل فني مرور الكرام من نقده اللاذع، سواء كان عبر شاشات التليفزيون أو الصحف والمجلات، محللا كل جوانب القوة والضعف في العمل وصناعه.
حرص «الشناوي» دائما على حضور مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة منذ تأسيس دورته الأولى في العام ١٩٩١ حتى الدورة ٢٣ التي اختتمت فعالياتها الأربعاء الماضي، لمتابعة ومشاهدة فعالياته، والإطلاع التجارب المقدمة من مختلف أنحاء العالم.
التقت «البوابة نيوز» الناقد طارق الشناوي، للتعرف عن رأيه في الأفلام المشاركة، والورش الفنية، ومعاناة الفيلم التسجيلي عدم الاعتراف جماهيريا وإلى نص الحوار..
* كيف ترى الأفلام المشاركة في الدورة الـ23 لمهرجان الإسماعيلية؟
- في حدود ما شاهدته منذ افتتاح فعاليات المهرجان وجدت أعمالا تعبر عن فترة انتشار فيروس كورونا، وكل فنان عبر من وجهة نظره عن تلك الفترة بمستوى عال، فالأعمال التي تم اختيارها للعرض خلال فعاليات الافتتاح جيدة، بالإضافة إلى مراسم الافتتاح التي اتسمت بالبساطة دون صخب أو استعراض مسرحي ينفق أموالا طائلة ليس لها داع، عكس ما يحدث خلال الدورات السابقة، ومن هنا أشيد بفكر سعد هنداوي في التخلص من هذا القالب، الذي سينتقل إلى المهرجانات الأخرى الموازية التي تدعمها الدولة.
* يختلف تصميم بوستر المهرجان هذا العام، فما السر وراء التغيير فى الأسلوب؟
- يحمل البوستر تفاصيل جيدة، وأضاف المخرج سعد هنداوي له لمسة عظيمة، فهو شخص لا يحب الظهور ومسئول عن هذا الإنجاز، فكان قرارًا صائبًا من الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، إسناده لرئاسة المهرجان.
* كيف ترى مشاركة أفلام المركز القومي خلال الدورة الحالية التي شأنها شأن الأعمال الأخرى؟
- كان موضوعًا جدليًا، وهو منع أفلام المركز القومي من المشاركة لفترة خوفا من التحيز للأفلام المصرية، وهذا قرار خاطئ، لأن العصمة بيد لجنة التحكيم، لذا كيف لمهرجان يقام في مصر ولا تشارك فيه أفلام مصرية؟ على عكس المهرجانات التي تقام خارج مصر، فعلى سبيل المثال مهرجان «كان» في فرنسا تجد نصف أفلام المسابقة الرسمية فرنسية أو بالمشاركة فيها، وكذلك مهرجان فينيسا في إيطاليا أو برلين في ألمانيا، وتكتشف أكثر من 50% من الأفلام المشاركة صناعة الدولة صاحبة المهرجان وتحمل جنسية البلد، حتى لو لم يعبر عن قضاياها.
فالإنتاج يمنح الجنسية للفن، فهل تمنع الأفلام الفرنسية من «كان» و«الألمانية» من برلين والإيطالية من فينيسيا لتحقيق العدالة؟ بالتأكيد لا، وكذلك الأعمال المصرية في مهرجان القاهرة، لذلك كان مطلوبا رفع المنع عن مشاركة الأفلام المصرية في مهرجان الإسماعيلية، هناك لجنة تحكيم محايدة تعمل بشفافية ولا تغلب عليها جنسية بلد، ومن الظلم أن ترى حرمان مخرج مصري من المشاركة في عرس بلده، وصناع السينما القصيرة والتسجيلية أفراحهم قليلة.
* كان لديك ملاحظات خلال الدورات السابقة للمهرجان بعدم وصولها للجمهور.. هل تغيرت وجهة نظرك خلال الدورة الـ23؟
- لم تتغير وما زلت أنتظر وصول المهرجان وأفلامه للجمهور وبالأخص أهالي محافظة الإسماعيلية، فنحن نحتاج لمزيد من الجهد من القائمين عليه، بالتفكير من الآن لوضع خطط للدورة المقبلة وكيفية الوصول للجمهور، وأتذكر حضوري أكثر من ندورة خلال فعاليات المهرجان، تجد الحضور هم ضيوفه، ووسائل الإعلام أيضا، ولا يوجد أي تفاعل أو حضور من الجمهور، فلا بد أن يضع على أولويات المهرجانات التي تنظم في المحافظات.
وعندما حضرت المهرجان، منذ تأسيسه، في 1991 كانت هناك أفلام تعرض في الجامعة، والمقاهي، لكن اختفى هذا التقليد، كذلك بالنسبة للدعاية غير المنتشرة داخل المحافظة، متمنيا من محافظ الإسماعيلية منح المهرجان اهتماما أكبر، ولا يوجد شيء يعبر عن إقامته على أرضها.
* لأول مرة ينظم المهرجان ورشة «تمثيل» لأبناء الإسماعيلية تحت إشراف الفنان أحمد كمال.. ما رأيك في هذه الخطوة؟
- اختيار الفنان أحمد كمال موفق، فهو فنان كبير وأستاذ تمثيل من طراز رفيع، إضافة إلى ورش تقام على هامش المهرجان في مجالات أخرى، ولا يكفي أسبوع للتدريب، لكنها بداية لتأسيس مشروع طموح لخلق أجواء تربط أهالي الإسماعيلية بالمهرجان، لذا على مسئولية ومحافظ الإسماعيلية فتح آفاق جديدة لمثل هذه الأعمال، ومن الضروري الشعور بأن محافظ الإسماعيلية مدرك قيمة الثقافة وتصبح السينما جزءا من نسيج المجتمع، ومن الغريب غياب المحافظ عن فعاليات افتتاح المهرجان رغم احتضانه ضيوف من جميع أنحاء العالم.
* الأفلام التسجيلية والقصيرة تشكل البنية التحتية للسينما على مستوى العالم، لكنها لا تحظى باهتمام كبير من صناعها.. فما السبب في ذلك؟
- في الحقيقة تحظى باهتمام البعض، وأتذكر حضوري مهرجان أيام قرطاج الذي عرض أفلام تسجيلية، يصطف لها الجمهور في تونس كما تضاهي الروائية أيضا، وهذا يعني ضرورة خلق ثقافة داخل مجتمعنا وتوعية المشاهد بأهمية وقيمة الفيلم التسجيلي أو القصير، إذن هناك مهرجانات كبرى تستضيف الفيلم التسجيلي منها: فيلم «أهلا يا كابتن» الذي حصل على الجائزة البرونزية وعدة جوائز أخرى.
* كيف ترى اختيار الشخصيات التي كرمت في المهرجان؟
- سعيد بتكريم المخرج خيري بشارة، الذي يعد قامة وقيمة عظيمة في تاريخ السينما، وكذلك عواد شكري أيضا، وهذا يحسب للمهرجان، كما أكشف عن سر أرغب في الإفصاح عنه أن المخرج خيري بشارة بكل إنسانية وحب حدثني أنه لم يحضر افتتاح المهرجان حتى تتجه الأضواء للمخرج عواد شكري، والذي أكد أنه إذا حضر حفل الافتتاح ستتجه له كل وسائل الإعلام، وكان ذلك شعورا نبيلا من مخرج عظيم بحجمه.
* كثير من صناع السينما ينظرون للأفلام القصيرة على أنها نقطة عبور للروائي الطويل وعدم التفكير في العودة لها مرة أخرى.. ما السبب في ذلك؟
- الفكرة الجيدة هي التي تحدد أسلوب تناولها، فعلى سبيل المثال بعد سطوع اسم بحجم المخرج كمال الشيخ، صاحب الباع الطويل في تاريخ الأفلام الروائية الطويلة، فقد أخرج فيلم «الأصابع»، والذي يتناول فكرة الأصابع وكيفية تحريكها في العرائس المتحركة، وطرح الفكرة في قالب متميز، إذن ليس بالضرورة أن يتحول مخرج الفيلم القصير للروائي الطويل.
* يعاني الفيلم التسجيلي عدم الاعتراف جماهيريا، وبالتالي مخاطبته لفئات خاصة في المقابل تخاطب السينما التجريبية النخبة.. هل توجد علاقة بينهما؟ وما رأيك في برنامج السينماالتجريبة؟
- التجريب يمكن تناوله في كل أنواع السينما، وهذا فن مطلق، لكن السينما ثقافة، والمشاهد المصري ليس لديه ثقافة التعرف والتفاعل مع الأفلام التسجيلية حتى لو عرضت جماهيريا لم تلقى النجاح، وهناك نموذج على أرض الواقع مثل الفيلم الوثائقي «الطيب والشرس والسياسي»، الذي عرض بشكل تجاري على مدار 3 أسابيع في دور العرض، وتدور أحداثه حول الفترة ما بين 25 يناير إلى 11 فبراير، شارك فيه تامر عزت بفيلمه «الطيب»، وآيتن آمين بـ«الشرس»، وعمرو سلامة بـ«السياسي»، والذين اجتمعوا لتوثيق أهم لحظات عاشها الشعب المصري في حياته، ونال جائزة أفضل فيلم في اوسلو السينمائي الدولي بالنرويج 2011، لكنه لم يحقق النجاح الجماهيري، وهذا لا يعني فشله، بل أن الجمهور لم يعتد مشاهدة نوع آخر غير الروائي الطويل.
* في إحدى مقالاتك المنشورة بالمصري اليوم تحدثت عن إسقاط ٧ دورات من عمر المهرجان حدثنا عن ذلك؟
- كانت أول دورة من عمر المهرجان في العام 1991، واليوم نحتفل بالدورة الـ23، إذن الفرق بينهما 7 دورات لم تقام لأسباب عدة، قد تكون الأحداث السياسية أو تقاعس المحافظة عن اقامته أو قلة الإمكانيات المادية لدعمه أو عدم تحمس أحد وزراء الثقافة له.