يشهد العالم معدلات غير مسبوقة من التوسع الحضري؛ فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة، بحلول عام 2050، من المتوقع استمرار الارتفاع في نمو السكان في المناطق الحضرية، ووفقاً لمعدل النمو الحضري تزداد وتيرة النمو الحضري بمقدار 2.5 مليار نسمة سنوياً، ويتزايد التحول الحضري في العالم العربي مقارنة بالمعدلات العالمية للتحضر، ما يشكل ضغطاً مستمراً على البنية التحتية والإسكان والخدمات الاجتماعية في المناطق الحضرية.
ورغم أن نمو المدن وتزايد معدلات التحضر تمثل أهم محركات النمو الاقتصادي العالمي خلال العقود المقبلة، حيث إنه بحلول عام 2025، سيضيف التحضر إلى اقتصاد العالم 1.8 مليار مستهلك إضافي، منهم 95% من الأسواق الناشئة، إلا أن تسارع التحول الحضري ينتج عنه جملة من التحديات التي تتمثل في تفاقم ظاهرة الزحف العمراني، واستهلاك مصادر الطاقة والمياه، وزيادة الضغوط على البنى التحتية والخدمات الأساسية، والازدحام المروري، وظهور أنماط استهلاك كثيف للموارد، وزيادة التصنيع، ويشكل ذلك تحديات في معالجة قضايا ندرة المياه والتلوث وإدارة المخلفات الصلبة والتنوع الحيوي.
ونظراً لأهمية هذه القضية، نظم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ورشة العمل الأولى حول مستقبل المدن المصرية 2050، بحضور نخبة متميزة من الخبراء والأكاديميين والمتخصصين، وذلك بالمقر الرئيسي لمركز المعلومات.
وأوضح المركز، أن هذه الورشة تأتي في إطار سلسلة من ورش العمل سيتم تنظيمها تباعاً بصورة شهرية لاستشراف مستقبل المدن المصرية، بهدف بحث كيف تسير المدن المصرية قدماً نحو المدن المستقبلية المرغوبة في عام 2050، وما هي المداخل التي يجب أن تُخطط لها المدن المصرية الحالية لتتناسب الطبيعة المستقبلية للمدن، وما هي الدروس المستفادة في التجارب العالمية والإقليمية في التحولات الحضرية نحو مدن المستقبل.
كما تستهدف سلسلة ورش العمل مناقشة الشكل الذي تبدو عليه المدن المستدامة في المستقبل عام 2050، وكيف يستخدم المواطنون البيئات الحضرية، وما نوع الأحياء والمجتمعات التي تتشكل في مدن المستقبل، وما هي أبرز النماذج والممارسات المبتكرة في تنفيذ مدن المستقبل المستدامة، وكيف يمكن لذلك أن يسرع من وتيرة تكييف المدن من أجل المرونة المناخية وتحقيق المدن منخفضة الكربون.
وأكد المركز أن هناك ثلاثة اتجاهات وقوى عالمية رئيسة تشكل مستقبل التحولات الحضرية، وهى: التغيرات الديموجرافية (النمو السكاني والهجرة من الريف إلى المدن والهجرة وتغير تركيب الهيكل العمري للسكان)، النمو الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي، الاستثمار في البحث والتطوير والتوظيف والابتكار)، والتكنولوجيا الذكية التي أصبحت تحتل مكانة مهمة في السوق العالمي، ويتوقع أن تصل قيمة هذا القطاع في السوق العالمي إلى 98 مليار دولار أمريكي بحلول 2026، كما سرعت جائحة كوفيد -19 من وتيرة تكثيف التحديات بالمدن العالمية، فقد تحتاج المدن إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها للنمو الاقتصادي، وتوفير خدمات المدينة، لتصبح أكثر ملاءمة للعيش واستدامة.
وناقشت ورشة العمل الأولى شكل المدن والاتجاهات التي تشكل مستقبل المدن عام 2050 وخبرات عدد من الدول في تنفيذ مدن المستقبل، فضلاً عن كيفية تحرك المدن المصرية نحو مدن المستقبل المأمولة وضرورة تبنى النموذج المستقبلي لكل مدينة في ضوء الخصوصية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمدينة.
كما سلطت الورشة الضوء على موضوع الاستدامة البيئية، وتجديد الموارد في كل مدينة والاتجاهات العالمية لتوطين تكنولوجيا المدن منخفضة الكربون، وعلاقة التغير المناخي وخفض الانبعاثات الكربونية من وسائل النقل؛ بعد أن زادت انبعاثات النقل بمعدل أسرع من تلك الموجودة في أي قطاع آخر، واحتقان المدن والضواحي، وارتفاع معدلات تلوث الهواء على نحو بات يشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة والتي ينبغي تقليلها إلى صفر بقدر الإمكان، وكذلك الجهود المصرية للاقتراب من مستقبل صافي الانبعاثات الصفري.
في السياق ذاته، ألقت الورشة الضوء على نمط العمران وتخطيط مدن المستقبل في ضوء عدد من المعايير والمؤشرات الدولية، والتحديات التي تواجهها المدن المستقبلية في سبيل تلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان، من أبرز هذه التحديات توفير السكن الملائم، ووسائل النقل، وأنظمة الطاقة، كما تطرقت الورشة للحديث عن الحلول التكنولوجية المستحدثة في البيئات الحضرية المستقبلية وإمكانية توطينها محلياً وفقاً لإمكانات كل مدينة، كما ركزت كذلك على إمكانات تطبيق التكنولوجيا في المدن" المدن الذكية" بعد أن بات أمراً حيوياً لا يمكن التغافل عنه أو تأجيله في ظل تنامي الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء.
جدير بالذكر، أن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، يحرص بشكل دوري على تنظيم العديد من الفعاليات وإقامة حوارات بناءة حول مختلف القضايا والموضوعات ذات الأولوية والمثارة على الساحة، وطرح الرؤى والأفكار المختلفة المتعلقة بها، بمشاركة مختلف الأطراف الفاعليين ذات الصلة، وذلك لاستخلاص التوصيات والمقترحات التي يمكن الاعتماد عليها، في وضع السياسات وتخطيط ومتابعة كفاءة الأداء، بهدف دعم متخذ القرار.