دق الباب: فتحت
مينا وحمادة طفلين من الجيران
أهلا
ممكن عشرين جنيه
لماذا؟
علشان نعلق زينة رمضان
دفعت وأعطيت كل منهما قطعة شوكولاتة، اعتذر مينا لأنه صايم الصيام الكبير، شكرني حمادة وهو يضحك ويقول بكرة أول رمضان وهنصوم زي بعض، تذكرت فعلا أن رمضان هذا العام يرتبط بالصيام الأربعينى الكبير.
الفول والوحدة الوطنية :
كان عمي أحمد صاحب محل الفول الذي بجوارنا يعمل من الصباح حتي الظهر ولكنه عاد يفتح بعد العشاء سألته لماذا؟
أجاب: الفول وجبة الوحدة الوطنية، كنت أبيع من الصبح وحتي الثانية للزبائن الأقباط الصائمين، وأستعد الآن لبيع الفول في رمضان للسحور .
ينتصف صيام المواطنين المصريين الأقباط، الصوم الأربعيني الكبير، بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، هو صوم انقطاعي من الدرجة الثانية يمتنع فيه الصائمون عن تناول أى شىء حتي المغرب وخروج الكنيسة، ويتعانق شهر رمضان مع الصوم الأربعيني .
صدق أو لا تصدق أن المصريين مسلمين ومسيحيين يصومون «467» يوما من السنة التي تبلغ أيامها ما بين «365 - 366» يوما فى كتاب «فقه السنة - العبادات، المجلد الأول»، أن المسلمين إضافة إلى شهر رمضان المعظم، يصومون: ثلاثة أيام فى شهر شعبان «13، 14 و15»، ووقفة عرفات يزيدون اختياريا إلى عشرة أيام، وفى شوال الستة أيام البيض، وأول ونصف رجب والسابع والعشرين منه، بالإضافة إلى «104» أيام اختياريا، وهى الاثنين والخميس، ليصل الإجمالي ما بين «147» يوما يزيدون اختياريا إلى «201» يوم.
أما صوم الأقباط فهو: «55» يوما الصوم الكبير، وثلاثة أيام يونان، «43» يوما الصيام الصغير، و«40» يوما صيام الرسل، و«15» يوما صيام العذراء، ومن الممكن أن يزيد صيام العذراء اختياريا إلى «21» يوما، إضافة إلى يومى الأربعاء والجمعة ليصل عدد الأيام إلى «256» يوما ممكن أن تزيد اختياريا إلى «266» يوما، وهكذا يبلغ إجمالي صوم المصريين مسلمين ومسيحيين «406» أيام، وفى حالة الزيادات التقوية التطوعية تصل أصوام المصريين «467» يوما من «365» يوما.
مسيحيون ومسلمون في الوطن
يقول الحاج الدكتور إسماعيل كامل: منذ القرن العشرين حتي نهايته كان المسيحيون المصريون يعيشون في رمضان وكأنهم مسلمون، فهم يحتفلون برمضان مثلهم مثل المسلمون وكثيرا منهم كان يصوم معهم أو علي الأقل لا يأكل ولا يشرب، وخاصة المكيفات مثل السجائر ولا أمثالها أمام المسلمين، وفي الليل كانوا يسهرون ويحتفلون تماما مثل المسلمين، تجد الواحد منهم وهو يحمل الكنافة وهو سعيد وهو راجع بيته وكانت كنافة فرن وليست شعر كالحديثة، كان أولادهم يشاركوننا ألعابنا طول ليل رمضان وكانت العائلات تتبادل الزيارات مع بعضها احتفالا برمضان، كانت البهجة والسرور علي وجوه المسيحيين بقدوم رمضان وكانوا ينتظرون مدفع رمضان ويتابعون فوازير ومسلسلات رمضان، وإذا دخلت أي بيت استحالة أن تفرق بيت مسيحي أو مسلم، وخاصة في رمضان، وكانوا يشترون لأبنائهم فوانيس رمضان في رمضان، وفي المولد النبوي كانت تتوحد مشاعر الشعب كله بمسلميه ومسيحيه، وكل سنة وأنت طيب وجميع الشعب المصري العظيم بخير.
يقول الناشر أحمد عز العرب: علاقة الأقباط والمسلمين في رمضان علاقة خاصة عن أى بلد فى العالم، وقد اتاحت السوشيال ميديا فرصة لمشاهدة هذه العلاقة بوضوح، حيث يحرص كل طرف على تهنئة الآخر بمناسباته الدينية أكثر من حرصه على تهنئة نفسه، ومن الأشياء اللطيفة بين الشباب الآن هى أن الأقباط ينشرون أغنية أهلا رمضان بكثافة وهم يرقصون.
وبالنسبة لعلاقات العمل يحرص الأقباط فى أماكن العمل على إراحة زملائهم المسلمين بسبب تعب الصيام وإرهاقه و يتقبلون ضغط شغل أكثر من الأيام العادية .. وتنظم بعض الجمعيات القبطية موائد إفطار للمسلمين والمسيحيين بشكل سنوى فى تقليد أصبح راسخا في رمضان من كل عام ..
أما د. ماهر عزيز، خبير الكهرباء والطاقة، فيري أن رمضان شهر فريد أمتزج فيه مع جيراني وأصدقائي المسلمين امتزاجا مصريا أصيلا، فتطول سهراتنا فيه معا نجوب بنقاشاتنا دروب الفكر المختلفة علي أطباق الخشاف ومشروب الخروب الرائع، ونتبادل في رمضان الإفطار علي موائدنا بدوري منتظم نجتمع فيه علي مائدة واحد منا كل يوم، وإذا خرجنا للحسين وخان الخليلى تنتهي سهراتنا بالسحور قبيل الفجر علي موائد القهاوي التراثية المنتشرة هناك.
شهر رمضان بنكهته المصرية الفريدة يجمعنا فيترك فينا رصيدا لا يمحي من الذكريات التي تبقي داخلنا ينبوعا لقوة معنوية تشد من أزرنا في وقت العناء.
مصالحة وطنية برعاية السماء
فيما تقول د. هبه البشبيشي، مدرس العلوم السياسية، للسنة الثانية على التوالى يأتي التزامن العجيب بين صيام رمضان والصيام الكبير لدى الأقباط كرسالة سماوية واضحة أن هذا البلد وهذا الشعب في رباط وتوافق وانسجام إلى الأبد، ولا فرق بين مسلم ومسيحى فيها، وأن الله وحده هو الذى يحدد مقدرات هذا الشعب. وأعتقد أيضا أنها رسالة من الله إلينا أن مصيرنا واحد لا جدال، وأن السماء أرادت بهذا عقد مصالحة وطنية بين أبناء هذا الوطن يكون ميثاقها الصيام وتاريخها التوافق المتواصل لعامين متتالين، بعد ما مرت به مصر منذ عام 2011 ، وبالصدفة كنت أشاهد أمس مسلسل الاختيار 2 ، وبالصدفة كانت الحلقة حول محاولة اقتحام الكاتدرائية في العباسية من أتباع الجماعة الإرهابية بالتزامن مع اقتحام دار الفتيات التابع للكنيسة بالمنيا ومحاولة اقتحام عدد من الكنائس في أحداث مرعبة تم التخطيط لها لإرهاب المصريين وهز وحداتهم، وأعتقد أن تزامن الصيام هذا رسالة واضحة من السماء أن هذه الأرض الطيبة متقاسمة بين أبناء مصر يجمعهم الإيمان وعبادة الله وإتيان فروضه في كل وقت دون انفصال بين أبنائها، فحافظوا عليها وراعوا وحدتكم واعبروا بها إلى الأجيال القادمة قوية صابرة شاكرة متحدية الصعاب... خدوا بالكم من مصر لأنها تستحق، واعتقد أن رسالة السماء واضحة وبدون رتوش.. دمتم بخير دمتم لمصر سالمين.
فيما قالت المهندسة نجوي بسيط نخلة، أكيد طبعا شهر رمضان ليس فقط لإخواننا المسلمين.. لكن هو شهر تعيش كل تفاصيله منذ الصغر.. وكنا نشتري الفوانيس مع أصحابنا وجيراننا. وكنا نتشارك معهم في شراء القطايف والكنافة.. ولمة الجيران بعد الإفطار أمام التليفزيون. فهذه الأيام وشهر رمضان متوافق مع الصيام الكبير.. فرصة جميلة للتآخي والمحبة وقبول الآخر واحترام المعتقدات.
النابت والفول وخميس العهد والجمعة العظيمة :
النائبة مريم عزت وزوجها المهندس جون بشري ـ مثال للأسرة المصرية في رمضان، تقول النائبة مريم نلف علي الدائرة ونتزاور ونتقاسم الإفطار وفي كل موائدنا يكون هناك طعام نباتي وطعام من اللحوم، وأتذكر دائما في الأول من رمضان كنا نفطر مع أصدقائنا المسلمين، وكان أذان المغرب في مسجد الجهاد يتزامن مع أجراس كنائس كنيسة الأنبا انطونيوس .
أما المهندس جون بشري فيتذكر يوم وفاة والدته، وأعلن عن ذلك إمام مسجد الجهاد وكيف كانت والدته رحمها الله، في خميس العهد وأسبوع الآلام شأنها شأن الأسر المسيحية توزع علي جيرانهم المسلمين للسحور، وجبة الفول النابت والفول المدمس مع الخضروات والمحشي، وفي المقابل كان الجيران يودون جيرانهم الأقباط بالكنافة، والقطايف، وتدق أجراس الكنائس مع أذان المغرب ليفطر كل المصريين.
الصيام سر قوة المصريين
ترى ما السبب الذى يجعل الشعب المصرى يصوم بهذه الأعداد من الأيام؟ ترى هل هى حب لله ورسله، أم تقوى للرحمن أو خشية من عقابه؟ أم أن الأمر يرتبط بشدة المظالم التى مر بها هذا الشعب على مختلف العصور، فلم يعد أمامهم سوى الزهد والتوكل على الله فى طرح هذه المظالم، أم أن قيم الحرمان النسبى والتحديات الكبيرة الاجتماعية دفعت مقدرات الشعب على الانقطاع عن الطعام؟ كل تلك المناحى جعلت المصريين يرتبطون بالصوم روحيا ودينيا، وارتباط ذلك جليا بالهوية المصرية منذ عصور الفراعنة وحتى الآن، المصريون المسلمون رغم أنهم من أهل السنة، لكنهم يصومون عاشوراء ويحبون آل البيت، ويتقربون من الأعتاب.
كما أن الصيام فى المسيحية ليس سرا من أسرار الكنيسة القبطية السبعة، لكنه يرقى إلى مرتبة السر. كما أن التاريخ يذكر أن انتصارات المصريين كانت تحدث دائما فى صيام رمضان مثل، معركة عين جالوت والانتصار على التتار، ومعركة حطين والانتصار على الصليبيين واستعادة بيت المقدس وصولا إلى نصر العاشر من رمضان وهزيمة العدو الصهيونى…كل سنة ومصر بخير.