افتتح الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية، ندوة "انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط" التي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية بالمكتبة، اليوم الثلاثاء، بحضور الدكتور أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة نيفين مسعد؛ أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، والإعلامي أحمد معاطي، وأدارتها الدكتورة مي مجيب، المشرف على مركز الدراسات الاستراتيجية.
أكد الدكتور مصطفى الفقي؛ أن العالم في الوقت الحالي يشهد تغييرات سريعة وغير متوقعة، والأوضاع الجديدة تؤكد أن العالم يسير نحو إنقاص عدد البشر أما عن طريق الأوبئة أو الحروب، وهو ما ينبئ بعدم وجود تصورات إيجابية للعلاقات الدولية المعاصرة.
وأضاف "الفقي" أن العالم يموج بتيارات مزعجة للغاية، وقضاياه متشابكة وسوف تصل آثاره إلى مائدة المواطن العادي في العالم أجمع، ولذلك جاءت أهمية هذه الندوة بحضور أساتذة وخبراء السياسة لبحث تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وكشف عما إذا كان ما يجري هي تصرفات يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة مجد الاتحاد السوفيتي.
وأشار "الفقي" إلى أنه يشتم رائحة بداية الحرب العالمية الثالثة، فيما يجري في العالم حاليًا، قائلاً: "انزعجت من التلويح باستخدام الاسلحة النووية بعد أن كان لا يقترب من ذكرها أحد"، مشددًا على أن موقف مصر من الأزمة متوازن ولم يكن أمامها موقف بديل، متطرقًا إلى الانتقادات التي وجهت لمصر بسبب اجتماع "النقب"، بأن مصر هي القوة الوحيدة التي تقبض على القضية الفلسطينية ولن تتخلى عنها، وتحاول أن تسير على الأشواك و باعتدال.
وأوضح "الفقي" أن الصين غير مستعدة لدفع ثمن تصدر المشهد العالمي وهي خطوة لا تقدم عليها، ولكنها عبرت عن وجه نظرها بشكل واضح، مشيرًا إلى أن الموقف الأمريكي انكشف تماما فهي لا تريد أن تتدخل أو أن يتصاعد الموقف، لكون تاريخها عبارة عن هزائم عسكرية، وهو ما اكتشفه الأوروبيين، ولذلك يتوقع أن الحلف الأوروبي الأمريكي لن يكون بالقوة السابقة.
وتحدث الدكتور أحمد يوسف أحمد، حول "الأزمة الروسية الأوكرانية.. نحو عصر جديد من العلاقات الدولية"، مؤكدًا أن الحرب الروسية الأوكرانية من الحوادث الفارقة في العلاقات الدولية لأننا أمام قطب في العالم كان يعتبر هو الأضعف أمام الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه لجأ إلى الحرب العسكرية لتحقيق أهدافه التي فشل في تحقيقها بالطرق الدبلوماسية.
وأضاف "يوسف" أن نموذج الحرب العالمية الأولى الذي انتهى بإذلال المهزوم تكرر في أعقاب الحرب الباردة، وإن لم تكن السلوكيات الدولية بقيادة أمريكا تجاه الاتحاد السوفيتي إذلالية إلا أنها أضرتها من خلال استيعاب الدول المتفككة وضمها تباعًا إلى حلف الأطلنطي "الناتو".
وأشار "يوسف" إلى أن الهاجس الأمني عند بوتين كان واضحًا من الوهلة الاولى ونبه من هذه المسائلة، وحاول إيجاد صيغة متوازنة بين روسيا والغرب، إلى أن وصل الأمر إلى أوكرانيا، والتي لها طبيعة خاصة بالنسبة لروسيا، فالرئيس الأوكراني كان يتصرف بخفة شديدة ولوح لأول مرة اللجوء للسلاح النووي الذي ورثته بلاده عن الاتحاد السوفيتي.
وأوضح "يوسف" أن ما فعله "بوتين" من حيث المنطق السياسي شيء مستقر في العلاقات الدولية بغض النظر عن شرعيته ومدى الرفض له، مؤكدًا أن الحرب العالمية الثالثة بمفهومها العسكري لن تقوم، ولكن إذا ما تم النظر إلى الحرب على أنها صراع إرادات فهي بدأت بالفعل، إذ اتخذ الرئيس الروسي موقف الند لأمريكا ليعود بذلك العالم ثنائي القطب.
ووصف "يوسف" موقف الصين بأنه هو نوع من الذكاء، فهي تسعى للقمة وسوف تصل إليها، في ظل تآكل الأحادية القطبية من قبل الحرب وتزايدت وتيرتها عقب اندلاعها، لكن عقب انتهائها سوف ينعكس على القطب الجديد الروسي والصيني.
وأكد "يوسف" أن الحديث عن التسوية مبكر لأن "بوتين" له مطالب ولن يتخلى عنها، كما أن الحديث عن المستقبل قاصر لغياب بعض المعلومات حول الوضع الداخلي الروسي وقواتها المسلحة، وكذلك مدى قوة الرئيس الأوكراني ووجود تيارات موالية لروسيا داخل أراضيه، مضيفًا أن التحليل الرشيد يشير إلى خلل فادح في موازين القوى لصالح روسيا، لو حدث تهديد للانتصار الروسي سوف تصعد في استخدام أسلحتها.
وتحدثت الدكتورة نيفين مسعد؛ حول المحور الثاني للندوة "التداعيات السياسية للأزمة الروسية الأوكرانية على الشرق الأوسط"، موضحة أن التغيرات في العالم ليست وليدة الحرب الأوكرانية بل سابقة عليها وما فعلته الحرب هو أنها ساهمت في إسراع هذه التغيرات، والملاحظة الثانية أن هذه المتغيرات لها تأثيرات متناقضة ومن ضمنها أنها جعلت إسرائيل تستضيف اجتماع مع أطراف عربية، والملاحظة الأهم هو أنها أكدت على أهمية منطقة الشرق الأوسط.
وقالت "مسعد" أن الانعكاس الأول للحرب قرب إنجاز الاتفاق النووي الايراني، وهو ما كان يتردد منذ العام الماضي، ومع بداية الجولة الثامنة في شهر ديسمبر الماضي بدأت عجلة الاتفاق تدور، ولكن بداية الحرب دفعت أمريكا إلى الضغط لسرعة الانتهاء من الاتفاق، مشيرة إلى أن الأطراف المختلفة حاولت استخدام الحرب لتحقيق مصالحها، حيث أن روسيا تحاول أن تضمن ألا تصاب بأذى بسبب العقوبات الاقتصادية، وأمريكا تسعى للضغط حول الإمدادات البترولية، فيما تحاول إيران رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الدولية.
وأضافت "مسعد" أن مردود الاتفاق النووي الإيراني الوشيك على الشرق الأوسط سوف يلجم تحركاتها ولكن لن يأتي بالاستقرار إلى المنطقة، لوجود إسرائيل التي تتربص لإيران، ولا تثق في نواياها وسوف تسعى دائمًا لمراقبتها.
وأشارت "مسعد" إلى أن التغير الثاني هو إعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط، حيث كان هناك محاولات سابقة لإدماج إسرائيل في المنطقة وتكوين دوائر إقليمية مختلفة، وصولا إلى اجتماع النقب الذي تم هذا الأسبوع، الذي يحمل مجموعة من التناقضات.
وتحدث الإعلامي أحمد معاطي؛ حول المحور الثالث "ارتباك المشهد الاقتصادي العالمي وسبل المواجهة"، موضحًا أن أسواق النفط أهم المتأثرين من الحرب وينعكس على جميع دول العالم، وخاصة مصر التي ينعكس عليها بالسلب بعدما قامت بربط سعر تداولة بالأسعار العالمية، وكانت قد حددت الأسعار في الميزانية العامة إلا أن الأسعار تضاعفت مما سبب لها أزمة.
وأكد "معاطي" أن الخطوات الاقتصادية التي اتخذتها مصر من أقوى القرارات لحماية الاقتصاد والعملة الصعبة.
وشدد "معاطي" إن الصين ذكية اقتصاديًا ولذلك ستكون مع الجانب الروسي لتحقيق مصالحها، بعد أن بدأت روسيا في تصنيف الدول على أنها صديقة وغير صديقة، مستخدمة سلاح النفط حيث أعلنت خصم 20% من أسعار النفط، مما دفع بعض الدول إلى تحويل الدفة إلى روسيا، مضيفًا أن الأخيرة تستغل العقوبات الاقتصادية بشكل ذكي.