بعد تلويح الغرب باستخدام السلاح الاقتصادى المعروف بنظام "السويفت"، وهو الشبكة التى تدير وتعالج ملايين المعاملات المالية بين مئات البنوك والمؤسسات حول العالم يوميًا، حيث هيمنة الدولار الواسعة على عمليات الشبكة، والذى يستحوذ على حوالى 40% من التدفقات المدفوعة عبر "سويفت"، لجأت موسكو فى المقابل إلى التخلى عن الدولار، وفى ظل الضغوط التى تعرض لها الروبل بالتزامن مع العقوبات الغربية رأت روسيا أن هناك خيارًا آخر يمكن من خلاله تجاوز العقوبات بسهولة، والتى استعدت لها منذ وقت بعيد قائم على تقليل اعتمادها على الدولار، من خلال استخدام اليوان ونظام الدفع الدولى الصينى للتجارة عبر الحدود.
فقد أطلق النظام الصينى المنافس لـ"سويفت" القائمة على الدولار، فى عام 2015، ويتعامل حاليًا فقط مع جزء بسيط من تسويات المعاملات الدولية التى يكملها نظام "سويفت"، وشبه الكثير من الخبراء فى العالم حظر "سويفت" للبنوك الروسية بـ"سلاح نووى مالي"، إلا أنه يعد فرصة لنظام الدفع الدولى الصينى "سى آى بى إس".
فى البداية، أكد الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أنه رغم الصعود الصينى الكبير خلال الثلاثة عقود الأخيرة لتصبح ثانى أكبر الاقتصاديات العالمية بناتج محلى يصل لحوالى 18 تريليون دولار، وصعودها لتكون الدولة صاحبة أكبر نصيب من الصادرات على مستوى العالم بنحو 3.3 تريليون دولار منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية عام 2001، إلا أن اليوان الصينى لا يشكل أهمية كبيرة فى سلة العملات العالمية مقارنة بالعملات الأخرى وعلى رأسها الدولار الذى يمثل 60% من احتياطيات النقد الأجنبى للدول، بالإضافة لاعتماده كعملة التبادل الأساسية للتجارة العالمية.
وأضاف، أن النقطة الأكثر أهمية التى تعمل عليها الصين فى الوقت الحالى لتجعل من اليوان عملة عالمية هو أخد السبق فى إصدار العملة الرقمية "اليوان الرقمي" والذى سيحل محل العملة التقليدية الحالية، وفى ظل النمو الاقتصادى والسيطرة على التجارة العالمية من الصين قد يكون اليوان الرقمى أهم العملات العالمية فى الفترة المقبلة.
من جانبه قال أشرف غراب، خبير اقتصادي، إن اتجاه روسيا والصين والاتحاد الاقتصادى الأوراسى ودول منظمة شنغهاى هو التنسيق فيما بينها للتخلى على الدولار والدفع بالعملات الوطنية، ردا على العقوبات التى فرضها الغرب على موسكو من بينها فصل روسيا عن نظام "سويفت".
وأوضح غراب، أن اتجاه موسكو وبكين للتعامل بالعملة الوطنية سيؤثر بالسلب على الدولار الأمريكي، وهذا سيفقد الدولار من قيمته ومكانته تدريجيا باعتباره العملة الأولى فى حصص الاحتياطى العالمى للبنوك المركزية، موضحا أن الصين ودول منظمة شنغهاى والاتحاد الأوراسى قادرون على تكوين نظام مالى خاص بها للدفع بالعملات الوطنية لينافس نظام سويفت والتخلى عن الدولار، موضحا أن هذا يعنى استيراد روسيا من الدول بالعملة المحلية.
وأشار إلى أنه بعد العقوبات المفروضة على روسيا عام 2014، حصن بوتين نفسه واتخذ إجراءات استباقية لخلق نظام مواز لكسر الركائز الثلاث للهيمنة الاقتصادية الأمريكية وهى نظام السويفت المالى والدولار ونظام الشيبس، فقد قامت روسيا تدريجيا بإزالة الدولرة من نظامها وإنشاء نظام دفع خاص بها يعرف بنظام نقل الرسائل المالية "SPFS" كبديل احتياطى لنظام السويفت تشارك فيه 23 دولة من الدول الحليفة لروسيا كالصين والبرازيل والهند، مؤكدا أنه رغم فرض عقوبات قطع روسيا عن نظام سويفت بالمال إلا أن البنوك الأجنبية تستطيع الاستمرار بالتعاون مع البنوك الروسية باستخدام المنصة الجديدة الروسية للتحويلات المالية، بالإضافة إلى أن الصين حليفة روسيا لديها نظام مالى أيضا يسمى "سيبس" وهو نظام الدفع عبر الحدود بين البنوك مثل نظام السويفت المالى.
وأضاف، أن أحد المسئولين الروس أعلن سابقا فى لقاء صحفى أن روسيا والهند اتفقتا على التخلى عن استخدام الدولار فى الحسابات المالية المتبادلة، وستقومان بتسديد جميع المدفوعات بالروبل الروسى والروبية الهندية، موضحا أن هذا يقلل من هيمنة الدولار الأمريكى على الاقتصاد وتقليل حصته فى المعاملات الدولية وتعزيز علاقات روسيا الخارجية، مشيرًا إلى أنه من الصعب فصل روسيا نهائيا عن نظام سويفت لأنه سبق أن حدث مع إيران ولم يكن له تأثير كبير عليها فما بالك بروسيا الأقوى اقتصاديا والأكثر علاقات خارجية.
وتابع «غراب» أن عام 2020 اتفقت الصين وروسيا على التخلى عن الدولار الأمريكى فى التبادل التجارى بين الدولتين، بالإضافة إلى الترابط القوى بين الاقتصادين الروسى والصينى من خلال الصفقات المتبادلة خاصة فى قطاع الغاز، كما تمت تسوية 74% من المدفوعات الناتجة عن التبادل التجارى بين روسيا ودول الاتحاد الاقتصادى الأوراسى بالعملات المحلية، موضحا أن خروج روسيا من سويفت سيلحق الضرر بالاتحاد الأوروبى خصوصا فى قطاعات الطاقة.
وأضاف، أن سعى الصين وروسيا وحلفائهما فى التخلى عن الدولار سيكون أحد الأسباب الرئيسية فى خفض الطلب على الدولار، خاصة مع تجاوز حجم التبادل التجارى بين روسيا والصين حجم الـ100 مليار دولار وسعى البلدين للارتقاء بالتجارة فيما بينهما لتبلغ الـ200 مليار دولار سنويًا، وبالتالى التخلى عن الدولار سيؤثر عليه كعملة عالمية ما يحد من العقوبات الأمريكية على الدول، فضلًا عن أن المشروع الاقتصادى الصينى العالمى "مبادرة الحزام والطريق" للتجارة مع عدد كبير من الدول يساهم فى زيادة الطلب على اليوان الصينى كعملة احتياطية دون الحاجة إلى استخدام الدولار ما يعنى التدرج فى إلغاء الدولار مستقبلًا، وبالتالى التقليص من هيمنة أمريكا على التجارة العالمية.