جرأتنا المنصات الإلكترونية على طرح الهراء بثقة، فالجميع أصبح ملمًا بكل شيء، والجميع أصبح خبيرًا فى كل شيء حتى وصل البعض إلى توجيه أجهزة الأمن كيف تتعامل مع الإرهاب؟!
فى البداية أود طرح ثوابت لابد من الإلمام والإمساك بهاـ وهى مكونات المجتمع والتى يقصد بها مجموعة العناصر التي يتشكل منها، وتحكم وجوده واستمراريته، كذلك التي تحدد خصائصه العامة، ومدى تأثيره في مجتمعات أُخرى من أفراد وجغرافيا والطبيعة والعلاقات والقوانين والضوابط ولكى ينجح أي مجتمع، ويصل إلى النهايات المرغوبة لا بد من تكامل تلك العناصر والمحددات.
فى ٥ مايو ٢٠١٦ فى افتتاح مشروع المليون ونصف فدان قال الرئيس السيسى: "مصر شبه دولة، ويجب أن تتحول إلى دولة حقيقية".
وواكب هذا التصريح ردود فعل غاضبة فى الداخل والخارج، معللة أن مصر صاحبة حضارة ال٧٠٠٠ عام، لا يصح أن يُطلق عليها هذا الوصف، بل وتجاوز ذلك إلى ربما طرح البعض لكلمات الرئيس، وكأنها تملِّصه من حال الدولة آنذاك.
وواقع الأمر بلا تجميل كان أسوأ كثيرًا من تعبير الرئيس، ودعونا نتذكر كيف كان الحال؟ ولماذا اخترنا هذا المسار؟ وهل كان هناك مسارات أخرى اختيارية أم لا؟
فالدولة المصرية التى أنهكتها الظروف السياسية الدولية والإقليمية والداخلية كان عليها أن تختار ما يُعرف بالمسارات الآمنة حتى تستطيع أن تعبر أزماتها بثقة، ودون التعرض لضغوط خارجية حتى تستطيع أن تملك خياراتها وقرارها.
لذا مصر وضعت خططا مختلفة فى ملفات متعددة، وبلا شك أننا نخطو بخطى ثابتة وفق آليات جيدة فى تلك الملفات مع الوضع فى الاعتبار الظروف الدولية والإقليمية شديدة الصعوبة.
ما سبق كان تصور الدولة بأجهزتها ومؤسساتها وهو تصور نبيل جاد طموح يُحسَب لها، ولا يُحسَب عليها.
على الجانب الآخر دعونا نرصد الحال، وما كان عليه منذ يناير ٢٠١١ من شلل كامل للدولة، ومطالبات فئوية، وتوقف عن الإنتاج، ومظاهرات واحتجاجات، ومحاولات لاختراقات أمنية على كل المسارات، وضغوطات دولية، ووصول الجماعة الإرهابية إلى الحكم، ومحاولاتها الإمساك بمفاصل الدولة، ثم ثورة أخرى للتخلص منهم ثم سنوات طويلة من الإرهاب، سنوات لا تتحملها اقتصاديات الدول الكبرى.
وإذا رجعنا قليلًا إلى سنوات ما قبل يناير نجد أن دولتنا كانت تسير بنهج قائم على المهادنة السياسية فى المسار الدولي والإقليمى والداخلي على حد سواء بالإضافة إلى عدم وجود ما نستطيع الاعتماد عليه من اقتصاديات الدول؛ لذا كانت الهوة ساحقة بين ما قبل وما بعد يناير ٢٠١١.
وأذكركم وأذكر نفسى بما كانت عليه الأمور من امتداد للعشوائيات فى طول البلاد وعرضها وفتح أبواب الاستيراد على مصراعيه، وعدم استغلال مواردنا بشكل صحيح، ناهيك عن ملفات أخرى، أعلمها ويعلمها الجميع وهى ما تلخص عدم وجود رؤى طموحة حقيقية.
وبالمناسبة هذا ليس محاكمة لعصر؛ لأني كما قلت سلفًا عدة مرات: "لا يوجد عصر أو نظام لا يحمل إيجابيات وسلبيات".
وهنا كانت الوقفة التى أرى أنه كان لابد منها، وفى سبيل ذلك وضعت الدولة خططها، وتحمل المواطنون الأعباء المترتبة على ذلك أملًا فى إصلاح طال انتظاره سنوات طويلة، والدولة فى المقابل طمأنت جموع المواطنين أنها جادة فى الإصلاح، ومحاربة الفساد رغم بعض الملاحظات التي ما زالت موجودة.
على جانب آخر كان هناك المواطن المصرى والذى يتحمل هذه الكلفة، ويطالب بالإصلاح والعدالة، ومحاربة الفساد، وتحسين الخدمات، واستقلال القرار السياسي وتعظيم الموارد، والحق فى العلاج والتعليم..…إلخ من طلبات واراها كلها بلا استثناء حق أصيل للمواطن.
فعندما قال الرئيس: "نحن شبه دولة" كان يجب أن يصدقه المصريون؛ لأن المقصود ليس ذمًا فى تاريخ مصر بل كان رصدا لواقع حقيقى ملموس بلا تجميل؛ فهو صراع كبير بين الرغبات والطموحات والقدرات.
وفى النهاية قد يطول حديثى عن هراء البعض الواثق، وعن المسارات الآمنة، وعن قدراتنا ورغباتنا، وللحديث بقية..
اللواء تامر الشهاوي عضو مجلس النواب المصري ولجنة الدفاع والأمن القومي السابق