فى ظل عودة طال انتظارها إلى الحياة الطبيعية الساحرة فى هوليوود بعد حفل صامت ونسب مشاهدة متدنية العام الماضي، تجرى الاستعدادات النهائية لحفل جوائز الأوسكار فى نسخته الـ94، والمقرر إعلانها الأحد المقبل، على مسرح دولبى العريق بلوس أنجلوس.
وكعادة جوائز الأوسكار فى الأعوام الماضية، فإن هناك دائما مجالاً مفتوحا للعديد من المفاجآت – رغم أن بعض الفئات تكاد تكون محسومة النتائج – التى أنتجت هذا العام خطوطا قريبة جدًا من الاتصال ببعضها البعض ومفتوحة بشكل مبهج لقائمة مختصرة من الفائزين المحتملين الجديرين الذين يصعب التكهن بهوية الفائزين بها، خاصة مع تغير مزاج المصوتين وانقسامهم حول جدارة أفلام المنصات التى باتت تهيمن على موسم الجوائز الكبرى وصارت مكونا أساسيا لا يمكن فصله عن إنتاجات الاستديوهات الكبرى أو حتى الإنتاجات المستقلة.
دراما كامبيون النفسية التى تدور أحداثها فى الغرب الأمريكى "The Power of the Dog"، تصدرت السباق برصيد 12 ترشيحا، ولكن ما أكثرها الأفلام المهيمنة على ترشيحات الأوسكار وتخرج خالية الوفاض فى نهاية المطاف.
أما إنجاز دينيس فيلنوف البصرى "Dune" اقتنص المركز الثانى بـ10 ترشيحات، وحل "Belfast" لكينيث براناه، و"West Side Story" لستيفن سبيلبرج، ثالثاً برصيد 7 ترشيحات. وقبل ساعات من إعلان الجوائز، نفتش بين سطور الفئات الرئيسية المختلفة بحثا عن هوية الفائزين المحتملين فى ليلة الأحد.
"قوة الكلب" VS. "كودا"
فى العام قبل الماضي، نجح الفيلم الكورى الجنوبى "Parasite" للمخرج جون بونج هو، فى التحليق خارج فضاءات جوائز الأكاديمية المعتادة، حين حصد جائزة أفضل فيلم، متفوقا على كبرى إنتاجات استديوهات هوليوود فى ذلك الوقت، لتعاود كلوى تشاو الكرة العام الماضي، بفيلمها "Nomadland" الذى اقتنص الجائزة الكبرى من فم ديفيد فينشر وآرون سوركين، ما جعل التنبؤ بمصير الفيلم الفائز هذه النسخة يبدو غامضًا مع كثرة الاحتمالات.
منذ أن فازت المخرجة النيوزيلندية جين كامبيون، العام الماضي، بأسد فينيسيا كأفضل مخرجة عن عملها الأخير " The Power of the Dog"، واصلت خطاها الثابتة فى موسم الجوائز الكبرى بعدد من المحافل المهمة مثل "جولدن جلوب" و"بافتا"، وصولا لترشيحات الأوسكار التى تصدرتها برصيد 12 ترشيحا، قبل أن تتعثر أسهم المخرجة المخضرمة فى خطاب تتويجها بجائزة الإخراج فى حفل اختيارات النقاد، عززه فقدان جائزة نقابة المنتجين الأمريكيين "PGA"، لصالح دراما سيان هيدر "CODA"، الحصان الأسود والمفضل لدى قطاع واسع من المصوتين، ليدخل فى منافسة مباشرة وقوية أيضًا مع "كلب" كامبيون غير المروض.
وهناك احتمال ليس بضعيف أن تستحوذ دراما منصة آبل "CODA" على تعاطف أعضاء الأكاديمية الذين انتصروا لقصص وقضايا المهمشين فى الآونة الأخيرة، إضافة إلى فوزه بجائزة نقابة ممثلى الشاشة "SAG" مما يشير إلى شغف قوى تجاه الفيلم الذى يسلط الضوء على مجتمع لم يحصل على تكريمه المستحق سينمائيا – كمجتمع الصم – الذى شهد تصاعدا مثيرًا لقضاياهم العام الماضى مع فيلم "Sound of Metal" لريز أحمد، ولكن يظل "The Power of the Dog" خيارًا آمنا وقويا أيضا على المستوى الفنى لمخرجته الفائزة السابقة بالأوسكار، لكنه سيكون مغييرًا لقواعد اللعبة، حيث سيصبح أول فوز بفئة أفضل فيلم لعمل من إنتاج "نتفليكس" بعد سنوات من المحاولة. ومع ذلك، فإن فوز أى من الفيلمين سيرمز إلى صعود صناعة البث الرقمى فى هوليوود.
معضلة فئات التمثيل!
تستمر معضلة الفائز المتوقع من فئة أفضل فيلم إلى فئات التمثيل الأربعة المحتدمة بشدة أيضًا؛ ففى فئة أفضل ممثل رئيسى من الواضح أنها حسمت بصورة كبيرة لصالح النجم ويل سميث فى دور ريتشارد ويليامز بفيلم "King Richard"، والذى عزز فرصه للتتويج بالأوسكار الأولى منذ ترشيحه الأول عن دور "محمد على كلاي" قبل 20 عامًا، بعد تحقيقه العلامة الكاملة بجوائز جولدن جلوب ونقابة الممثلين واختيار النقاد وأخيرًا "بافتا". ولكن كل الحظوظ لا تزال قائمة بهذه الفئة فى ظل أداء بيندكت كامبرباتش المميز فى فيلم " The Power of the Dog"، والظهور الآسر لأندرو جارفيلد فى فيلم "Tick, Tick… Boom".
وبعد متابعة نتائج موسم الجوائز الكبرى، تظل فئة أفضل ممثلة رئيسية معلقة لحين إعلان جوائزها الأحد المقبل، بعد أن عجزت الأكاديميات والنقابات على الاتفاق على وجه واحد يسيطر على جوائز هذا الموسم. افتتحت نيكول كيدمان الموسم بجوائز جولدن جلوب عن دورها فى فيلم "Being the Ricardos"، ثم تبعتها جوانا سكانلان بجائزة بافتا عن فيلم "After Love"، لتستحوذ بعدها النجمة جيسيكا شاستين على بقية جوائز الموسم (ممثلى الشاشة – اختيار النقاد) عن دورها فى فيلم "The Eyes of Tammy Faye"، والتى تبدو هى الأقرب لنيل جائزة الأوسكار الأولى لها خلال مسيرتها الفنية. ولكن تظل فرصها قائمة بجانب الإنجليزية أوليفيا كولمان عن دورها بفيلم "The Lost Daughter"، رغم أنها لم تحصد أى من الجوائز الكبرى هذا العام.
وبفضل أدائها المميز فى نسخة سبيلبرج الجديدة من فيلم "West Side Story"، تزداد أسهم الممثلة اللاتينية أريانا ديبوسى فى اقتناص جائزة الأوسكار الأولى لها فى فئة أفضل ممثلة مساعدة؛ فى مفارقة تاريخية قد تكون الأولى، حيث سبق وفازت ريتا مورينو بالأوسكار عام 1962 عن نفس الدور، لتصبح أول ممثلة لاتينية تحصد الجائزة. هذه الفئة تضم أسماء مخضرمة كجودى دينش عن فيلم " Belfast"، وكريستين دانست عن " The Power of the Dog"، بجانب ظهور لافت لجيسى باكلى فى "The Lost Daughter"، وأونجانو إيلز عن دورها فى فيلم "King Richard"، والذى كان محل إشادة من بطل الفيلم ويل سميث، خلال حفل جوائز SAG.
أفضل ممثل مساعد
سيكون الممثل تروى كوتسر على موعد مع التاريخ فى فئة أفضل ممثل مساعد، بعدما أصبح أول ممثل أصم يحصد جوائز SAG وبافتا واختيار النقاد، عن دوره فى فيلم "CODA". يعتقد الجمهور أنها ستكون واحدة من أجمل اللحظات الممتعة بسبب حماسة كوتسر وقوة خطاباته فى الحفلات السابقة، ليصبح تكريما مستحقا لممثل أثرى المسرح لسنوات طويلة فى لوس أنجلوس. وتضم هذه الفئة أيضا عددًا من المرشحين، بما فى ذلك كياران هيندز عن فيلم " Belfast"، وجيسى بليمونز وكودى سميت ماكفى عن فيلم " The Power of the Dog"، وجى كاى سيمونز عن "Being the Ricardos".
النساء على مقعد الإخراج مجددًا
لطالما كانت جين كامبيون المرشحة الأوفر حظًا فى هذه الفئة منذ وقت طويل يقارب الثلاثة عقود، فبعد ترشيحها الأخير عن فيلم " The Power of the Dog" أصبحت أول امرأة يتم ترشيحها فى هذه الفئة مرتين – ترشحت سابقا عن فيلم "The Piano" عام 1994، وحصدت جائزة السيناريو وقتها – وفى حال فوزها ستصبح المخرجة الثانية على التوالى التى تقتنص جائزة هذه الفئة بعد تتويج كلوى تشاو العام الماضي. وستصبح المصورة السينمائية للفيلم آرى فاجنر، أول امرأة تفوز بهذه الجائزة، وهو انتصار كان يجب أن يحدث منذ فترة طويلة للنساء خلف الكاميرا. وتضم الفئة مرشحين مخضرمين، بما فى ذلك اليابانى ريوسوكى هاماجوتشى عن فيلم " Drive My Car"، وبول توماس أندرسون عن "Licorice Pizza"، وكينيث براناه عن "Belfast"، وستيفن سبيلبرج "West Side Story".
جوائز السيناريو
إذا تم استبعاد كينيث براناه من فئة الإخراج، فقد ترى الأكاديمية أن فئة السيناريو الأصلى هى المكان المناسب لتكريم قصته الشخصية الصادقة عن نشأته فى أيرلندا الشمالية المضطربة. ومع ذلك، يمكن أن تذهب لـ "بيتزا" بول توماس أندرسون، التى واجهت انتقادات وصفت بالعنصرية، ومع ذلك قد تكون هذه واحدة من تلك الأوقات التى تمنح فيها الأكاديمية نوعًا من الإنجاز مدى الحياة لشخص تم ترشيحه للأوسكار 11 مرة ولم يسبق له الفوز.
أما فى فئة السيناريو المقتبس، فلم تلق معالجة فيلنوف لرواية فرانك هربرت فى فيلم "Dune" الثناء الكافى من الجمهور نظرًا لفجواته السردية، ما قد يفسح المجال أمام المخرج اليابانى هاماجوتشى بتحفته السينمائية " Drive My Car" المأخوذة عن رواية لهاروكى موراكامي، لتحقيق فوز ربما يكون مستحقا فى هذه الفئة، مؤكدًا سيطرة السينما الآسيوية على الفئة بعد أن اقتنص الكورى بونج جون هو، جائزتها للسيناريو الأصلى قبل عامين.
هيمنة السينما الآسيوية
رغم أن فئة أفضل فيلم دولى تكاد تكون محسومة لصالح الفيلم اليابانى " Drive My Car" للمخرج ريوسوكى هاماجوتشي، والذى أظهر براعة وثراء فى مستوى الحوار واللغة السينمائية وتوظيفهما كوسيلة للتواصل البشرى بين شخصياته الهشة. ولكن هذا لا يقلل على الإطلاق من تفرد الفيلم النرويجى "The Worst Person in the World" لمخرجه يواكيم ترير، وتشريحه الدقيق لشخصية تكاد تنطق بألستنا جميعا، عززها الأداء السلس لبطلة الفيلم رينيت رينسيف. وتجدر الإشارة كذلك إلى الإنجاز الذى حققته دولة بوتان فى هذه الفئة عن فيلم "Lunana: A Yak in the Classroom" بوصولها للقائمة النهائية للمرة الأولى فى تاريخها، وهو حلم لا يزال يراود دولا عريقة فى صناعة السينما.
وبالحديث عن فئة الرسوم المتحركة، قد تكون قصة الفيلم الدنماركى "Flee" مؤثرة للغاية، لكن تظل استديوهات ديزنى المهيمن على جوائز الفئة سنويا وهذا العام بفيلم "Encanto" الذى حقق العلامة الكاملة فى موسم الجوائز الكبرى.