الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في فلسفة الحمد وواقعنا المعاصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تناولنا لهذا الموضوع سيكون مختلف بعض الشيء عن طرحه وتناوله من وجهة نظر الأديان، وإنما سيكون طرحنا عقلاني، وفي نفس الوقت سنحاول أن نوفق بين ما يقودنا إليه عقلنا، وبين الشرع، وهذا منهجي الذي سلكنه تقريبا في كل مقالاتي وحتي مؤلفاتي الفلسفية، ليس هذا وحسب بل سنربط الحمد بواقعنا المعاصر.
بداية نتفق عقلا أن الحمد فضيلة مهمة، بل رأس الفضائل التي دعت إليها كل الأديان، بل وكانت شغل فلاسفة الأخلاق الشاغل، وعكسها تماما رذيلة الذم وصب وابل اللعنات التى قد تقود المذموم إلي التمادي في سلوكه وفي أفعاله، وتخرجه من حيز الوجود بالفعل إلي حيز الوجود بالقوة فيعود عودا قهقريا إلي الإتزواء والإنطواء الذي يودي به إلي الإنهيار النفسي، أو يرتد ارتدادا عكسيا إلي التمادي في ما ذم عليه.
فما المقصود بالحمد، الحمد يعني الثناء والمدح، حمد، زيد صنيع عمرو، أي أثني على ما فعله معه، كأن قدم له معروفا فحمد صنيعه.
وثم فرق بين الحمد والشكر، فالحمد نقيضه الذم، أما الشكر فنقيضه الكفر، ككفر النعمة، أي أن ص، قدم هدية إلي س، فتقدم س، بالشكر ل ص وعكسه الكفر، أي أنكر ما فعله معه ص، وقال كنت أعلم أنني سأعمل في هذه الوظيفة على الرغم من أن ص، هو الذي ساعده في الحصول على هذا العمل، فالكفر هنا هو كفر النعمة، مثلما فعل قارون، لما آتاه الله المال قال إنما أوتيته على علم عندي.
وثم مثال آخر كأن ينجح طالب في الإختبار الشهري، وعندما تقول له فلتشكر من وفقك لذلك فيرد قائلا لقد ذاكرت فنجحت، فنجابهه بسؤال، عقلا، من الذي هيأ لك أسباب النجاح،أليس هناك علة فاعلة هى التى دبرت لك الأسباب، إذا عقلا ثم علاقة بين الأسباب والمسببات، وتلك هى فكرة السببية والعلية.
ثم فرق آخر بين الشكر والحمد، فالمحمود لا ينتظر منك ثناءا ولا مدحا.
أما المشكور فينتظر منك كلمة شكر، كأن تسمعه ما يحب صنيع ما فعله.
فالحمد خاصة مخصوص بها الله سبحانه وتعالى، لماذا لأنه ليس ثم من يستطيع أن يحمد الله حق حمده، بمعنى أن الله تعالى يعلم كل شيئ ولا يعزب عن علمه شيئ، لذلك حمد نفسه بنفسه وأثني على ذاته بذاته في غير موضع من الآيات المباركات مثل قوله تعالى في سورة الفاتحة مفتتح القرآن الكريم، الحمد لله رب العالمين.، وقوله في سورة الأنعام الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور.، وفي قوله تعالى، الحمد لله فاطر السموات والأرض، وقوله تعالى، الحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.
وعلى الرغم من أن العبد لن يوفي الله حقه في الحمد، إلا أن الله تعالى يحب أن يسمع دعاء عبده الحامد، ويحب أن يثني عليه عبده في قوله رب العالمين فهذا دليل دامغ على إقرار العباد أن  الله رب المشارق ورب المغارب.
أما الشكر فالله تعالى يحب عبده الشكور، بل والشكور إسم من أسمائه تعالى، بل وشكره والمواظبة على شكر نعمه يزيدها، لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم فإن عذابي لشديد، وليس معني هذا أن الله تعالى ينتظر شكرنا، وانما، ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن الله غني حميد.
إذن الحمد والشكر فضيلتان رئيستان، إذا ما وظفناهما لخدمة واقعنا المعاصر، فمن منا لا يحب أن يحمد ويثنى عليه وهذه طبيعة وفطرة بشرية، وكذلك الشكر، فالإنسان يميل إلى أن يشكره الآخرون، ووجوه التعبير عن الشكر كثيرة، فمنها البسمة والكلمة الطيبة، ومنها من يقدم هدايا، تهادوا تحابوا دونما غرض أو مصلحة وإلا سيتحول الشكر إلى رذيلة الدهان والنفاق والرياء وأنه فعل هذا من أجل مصلحة سيقضيها إليه، وأعلم جيدا أن حياتنا تقوم على المصالح ويغلب عليها النزعات المادية، والنزعات البراجماتية وقد يصور لك الشيطان الماكر أن ما تفعله مباح وحلال، لكن بقليل من التدبر والتفكر هل لو تركت منصبك ومكانك ستقدم لك الهدايا التى هى من باب الشكر، لو كان ذلك كذلك فواجب الشكر مباح أم خلاف ذلك فستكون رشاوى مقنعة وسيتحول الشكر إلى نفاق، فلنطبق ذلك على مشاهداتنا اليومية وما نتعرض له ونحن في أعمالنا، طبعا وتقتضينا عقلانينا ألا نعمم الأحكام وألا نصدرها على عواهنها.
هل هناك علاقة بين الحمد والقنوط؟!قد يتبادر إلى الذهن أنه ليس ثم علاقة بينهما، فالقانط لا يحمد الله أبدا ولا يرى النعمة التى أنعم الله بها عليه، بل وهو آلف النعمة، فكلما تذكره بنعم الله عليه كأن وهبه مالا أو ولدا أو علما يبادر رادا ولم الحمد ماذا استفدت من علمي، فلان عنده وأنا لا أملك شيئا، وهذا مثال من حياتنا المعاصرة، صاحب علم آتاه الله علما نافعا، ثم تجده يعقد مقارنة بينه وبين مثلا لاعب كرة لديه أموال كثيرة فيقول ماذا فعل لى العلم ولا أستطيع أن أوفر حياة كريمة لأهل بيتي فتجده يقنط وييأس وربما يحرق مؤلفاته وكتبه مثلما فعل أبي حيان التوحيدي، عندما لم يجد ما يتقوت به أحرق كتبه، لكن هذه حالات فردية، ومن ثم ينبغي علينا عقلا ألا نعمم الأحكام.
أو هب أن إنسانًا حمده للإله بلسانه وما يخفي في صدره أكبر، كأن يصاب بمرض عضال وتلتقيه عند الطبيب فتقول له ما بك ويشكو إليك فتقول له قل الحمدلله أنت أفضل من غيرك فيرد قائلا الحمد لله وفي صوته نبرة عدم رضا، بل وتلحظها على قسمات وجهه، إن الإنسان لربه لكنود، وإنه لحب الخير لشديد.
أو كأن يفقد منصبا مثلا ويأخذه غيره وغيره لا يستحقه، فتقول له قل الحمدلله، لا تعلم أين الخير فيرد متزمجرا وأين الخير فى أن يتولى فلان وأنا أفضل منه، ولك أنت ترد، الله يدخر لك الأفضل، والله يعلم ونحن لا نعلم، وعسى أن تحبوا، وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
حتى وأنت تسمعه هذه الآيات، وتتناقش معه عقلا، يرد عليك في يأس وقنوط.
إذن فالعلاقة بين الحمد والقنوط علاقة عكسية طردية.
لكن لو نظرنا نظرة تعقل فهاهو الرجل الحامد، ليس فقط بل والشاكر، الذى يجلس على كرسى متحرك مصابا بشلل رباعي، وتسمعه يقول الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، فتحدثك نفسك لماذا يحمد هذا الرجل وهو مبتلى بكل هذه الابتلاءات وفضولا منك تسرع وتسأله وهو يقرأ السؤال في عينيك فيرد عليك بعد أن تسأله، فيقول لك حالي أفضل من غيري، الحمد لله الذي وهب لي قلبا خاشعا ولسانا ذاكرا وجسدا على البلاء صابرا فما بالك لو كنت معافا في بدنك وذهبت عنك نعمة الحمد، وذهبت عنك التقوي، وتحجر قلبك، وتيبس لسانك وتوقف عن ذكر الله تعالى، فذكر الله حمد له، والإستمرار والمواظبة على الحمد والشكر قلبا وعقلا ولسانا يزيدك حمدا لله ويزيدك شكرا له على نعمائه.
فلا تنزعج أخي إن تأخر رزقك فواظب على الحمد بقلب خاشع ولسان ذاكر واطرق الأبواب وتوجه بحمدك إلى المحمود الأول، الله تعالى حتى يلبي لك مسألتك ولا يصيبك اليأس والقنوط، ولتجعل لسانك لهاجا بالحمد المصحوب بالرضا، فرزقك لن يأخذه غير فقل لقلبك أهدأ واطمئن.
قس على ذلك ما نشاهده في أيامنا هذه من غلاء وارتفاع في الأسعار وأمراض انتشرت وأوبئة وضيق قد يودي بالإنسان إلى المرض النفسي، أو قد يودي به أن يضحي بحياته أو بحياة من يعول، لكن بالحمد والشكر سيتحول هذا الضيق إلى سعة ووفرة في الرزق، المهم نواظب على الحمد ونسعى ونجتهد في طلب الرزق ولا نصب اللعنات على زماننا ولا على حياتنا، وإنما نسعى ونجد ونطرق الأبواب، فما نيل المطالب بالتمني ولكن بالكفاح والجد مصحوب كل ذلك بحمد الله والثناء عليه.
قس على ذلك كل ما يحدث لنا في حياتنا كمن يتأخر مثلا في الإنجاب أو من تتأخر في الزواج، أو من يتأخر عنه منصب ما، فليس ثم ضيق ولا ضجر وإنما مواظبة على الحمد بنفس راضية رضية، وأخذ العظات والعبر من الأنبياء عليهم السلام جميعا من آدم عليه السلام إلى نبينا الكريم، جميعهم كانوا حامديين لله على أنعمه، ألم يحمد الله آدم عليه السلام أن تقبل الله توبته، ألم يحمد الله سيدنا إبراهيم وباستغفاره وحمده نجاه الله من النار ووهبه ابنه إسماعيل ونجاه من الذبح، وكذلك سيدنا موسى بحمده لله تعالى نجاه من القوم الظالمين وستنا مريم عليها السلام ألم ينجها الله تعالى من الكرب العظيم وينطق لها طفلها الرضيع وتتبرأ من بشاعة تهمة قومها لها، ثم ألم ينجي الله تعالى سيدنا يونس بحمد واستغفاره من بطن الحوت وظلمة الغرق، كذلك ألم يتم الله نوره على نبيه محمد صل الله عليه وسلم، ويكمل له دينه القيم بفضل الحمد والاستغفار.
ثم أنظروا كم من محن تمر علينا ويمر بها الإنسان، كم من ابتلاءات نتعرض لها في حياتنا اليومية، كم من الظلمات المتراكمة التي كدنا أن نقع فيها، قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب، بفضل الحمد والاستغفار لله تعالى.
سيداتي وسادتي، اجمعوا واستجمعوا الحمد في قلوبكم بل واجعلوه يستغرقكم بالكلية، واجعلوه صراطا تمرون عليه من ضيق شهواتكم وشهوات أنفسكم إلى رحاب ورحابة أرواحكم، حتى تسعدوا في دنياكم وتسعد بكم، بل واجعلوا الحمد طريقا إلى الله تعالى، فالله تعالى يحب الحامدون الحمادون المواظبون على الحمد مصدقا لقوله تعالى.
وقل الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، ألا تحبون أن تكونوا ممن اصطفاهم الله تعالى.
فهل حمدنا وحمدنا الله تعالى، هل شكرناه على نعمه وأنعمه التى جاد بها علينا.
وأختتم حديثي بقوله تعالى.
التآبون، العابدون، الحامدون، السائحون، الراكعون، الساجدون، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وبشر المؤمنين.
إذن توبة مصحوبة بعبادة، متوجة بحمد، وسياحة في سبيل الله، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، الجزاء، بشرى من الله تعالى، والبشرى هنا رضى الله عن العبد في الدنيا واصطفاء في الآخرة.بفضل الحمد لله رب العالمين.