قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن التحول الرقمي لا يقف عند أداة أو وسيلة بعينها، بل يشمل التغير في جوانب الحياة كافة، من خلال الاستفادة بثورة المعلومات والاتصالات لتقديم الخدمات والمنتجات وإدارة الموارد بشكل ابتكاري، لافتا إلى أنه وبالرغم من اهتمام الكثير من المؤسسات بالتحول الرقمي، وتخصيصها الكثير من مواردها المالية والبشرية والتنظيمية لهذا المجال، إلا أن القليل من هذه المؤسسات يحقق نجاحا حقيقيا ملموسا في عملية التحول الرقمي، داعيا إلى الاستعانة بخبراء علوم الإدارة والتقنية والاجتماع وما يلزم من علوم جديدة، ووضع خطة واقعية طموحة ذات أهداف إجرائية، من أجل تحقيق إنجازات ملموسة في مجال التحول الرقمي.
وأوضح وكيل الأزهر، خلال كلمته بمؤتمر "الآفاق الشرعية والقانونية للتحول الرقمي"، الذي تنظمه كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن هذا المؤتمر يأتي في وقت يشهد العالم فيه تحولات كبرى نحو المعرفة الرقمية، وهو ما يوجب على المشتغلين بعلوم الشرع والقانون معالجة متواكبة مع معطيات العصر، لاستثمار آفاقه غير المحدودة، ووضع الأطر الشرعية والقانونية الحاكمة ما يضبط المعاملات الرقمية، ويوجه السلوك الرقمي، ويحفظ الهويات الوطنية في ظل هذا الفيض المعلوماتي والتكنولوجي.
ودعا وكيل الأزهر إلى أن يكون للأمة العربية والإسلامية إسهامات ملموسة في المجال الرقمي المؤثر والفاعل، وذلك لما تملكه من كيانات علمية وفكرية وإدارية تكفي لأن تكون في موقع الفاعل لا المفعول به، موضحا أنه على الرغم من وجود استراتيجيات رسمية معنية بالمستقبل، ومحاولات جادة من مؤسسات رسمية وغير رسمية من أجل الالتحاق بركب التكنولوجيا، إلا أن مخرجاتنا العربية والإسلامية في هذا المجال تبدو ضئيلة بالقياس إلى غيرها، وهو ما يبرز التحدي الأكبر أمام العلوم العربية والإسلامية لتكون فاعلة في هذا السياق؛ حرصا على الهوية الدينية والثقافية التي أصبحت مهددة بالمؤثرات الرقمية.
وأكد “الضويني”، أن الأزهر قد خطا خطوات ناجحة في مجال الرقمنة، مشددا على ضرورة استمرارها في ظل التغيرات المهمة والمتنوعة التي تشهدها منظومة التعليم حول العالم، محذرا من أن المؤسسات التعليمية التي لا تستطيع تحديد مكانها اليوم في عالم التحول الرقمي ستترك طلابها فقراء في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المستقبلية، موضحا أن التقدم التكنولوجي وما يتيحه من أدوات مساعدة هو فرصة كبيرة لإثبات الذات، وتكوين الملكات، وإظهار الطاقات، ومن ثم؛ فإن عقد هذا المؤتمر يفرض واجبا نوعيا مختلفا ومغايرا، ويخلق في نفوسنا أملا جميلا ننتظر أن نرى ثمراته عما قريب.
ولفت وكيل الأزهر إلى أن علوم الشريعة قادرة بقواعدها وأصولها على استيعاب كل جديد تكييفا وتوصيفا وحكما، موضحا أن الدراسات قد أثبتت فاعلية التكنولوجيا في تجويد تدريس علوم الهوية الشرعية والعربية، كما أنها تضع أمام طالب العلم قدرا كبيرا من المعلومات والثقافات، وفي الوقت نفسه تفتح عليه أبوابا من الانحرافات والمغالطات، ما يستوجب إعداد منهج تربوي مخصص محصن يرشد أبناء الأمة إلى الطريقة الشرعية الصحيحة لاستعمال تلك التقنيات، ويوفر لهم الحصانة العقدية والفكرية والثقافية، ويضمن لهم في الوقت نفسه تفاعلا حضاريا منتجا.
ودعا وكيل الأزهر أصحاب القرار أن يبدأوا بخطوة عملية في مسار التحول الرقمي، من خلال وضع الرؤى الشرعية والقانونية ضمن برامج تعليمية وتربوية نافعة وحقيقية وواقعية، تقدر على نقل العلم ومقتضياته، ويقدر أبناؤنا على استيعابها، وتضبط حركة التعامل الرقمي شرعا وقانونا؛ حتى لا نجد أنفسنا يوما بعد يوم أسرى للتنظير الأكاديمي الذي لا يعرف الواقع ولا يعرفه الواقع، فتكون الفجوة بين ما يحمله الواقع ويفرضه، وبين ما تقدمه لهم المؤسسات.
وتنظم كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة مؤتمرها العلمي الثاني تحت عنوان "الآفاق الشرعية والقانونية للتحول الرقمي –الواقع والمأمول"، برعاية فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، بهدف إبراز دور الشريعة الإسلامية في تحقيق الأمن الرقمي، ونشر الوعي حول التحول الرقمي وأثره في تحقيق رؤية مصر 2030، بالإضافة إلى تعظيم الاستفادة من التحول الرقمي في الأمور الشرعية والقانونية، ودراسة تأثيره على المعاملات الاقتصادية والتجارية والأحوال الشخصية والعملية التعليمية.