ألقى الكاردينال رانييرو كانتالاميسا واعظ القصر الرَّسولي، صباح اليوم الجمعة، تأمّله الثالث لزمن الصوم في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، بحضور البابا فرنسيس، تحت عنوان "تناول جسد الرب ودمه".
واستهل الكاردينال كانتالاميسا تأمّله بالقول في تعليمنا حول الإفخارستيا - بعد ليتورجية الكلمة والتقديس - وصلنا إلى اللحظة الثالثة، المناولة. هذه هي اللحظة التي تعبِّر في القداس بوضوح عن الوحدة والمساواة الأساسية لجميع أعضاء شعب الله، دون أي تمييز في الرتبة والخدمة. لا يوجد تمييز في المناولة. فالمناولة التي ينالها المعمد البسيط تتطابق مع المناولة التي ينالها الكاهن أو الأسقف. وبالتالي فالشركة الإفخارستية هي الإعلان الأسراري بأنّ "الشركة" في الكنيسة تأتي أولاً وهي أهمّ من التسلسل الهرميّ.
تابع واعظ القصر الرَّسولي، حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان منذ قليل ، لنتأمّل حول المناولة الإفخارستية انطلاقًا من نص للقديس بولس: " أَلَيسَت كَأسُ البَرَكةِ الَّتي نُبارِكُها مُشارَكَةً في دَمِ المسيح؟ أَلَيسَ الخُبْزُ الَّذي نَكسِرُه مُشارَكَةً في جَسَدِ المسيح؟ فلمَّا كانَ هُناكَ خُبزٌ واحِد، فنَحنُ على كَثرَتِنا جَسَدٌ واحِد، لأَنَّنا نَشتَرِكُ كُلُّنا في هذا الخُبْزِ الواحِد". لم يكن من الممكن أن يقول بطريقة أوضح أن الشركة الإفخارستية هي دائمًا شركة مع الله وشركة مع الإخوة، أي أن هناك إذا جاز التعبير، بعد عموديّ، وبعد أفقي. لنبدأ بالأول. لنحاول أن نُعمِّق نوع الشركة القائمة بيننا وبين المسيح في الإفخارستيا. في إنجيل يوحنا، يقول يسوع: "كما أَنَّ الآبَ الحَيَّ أَرسَلَني وأَنِّي أَحْيا بِالآب فكَذلِكَ الَّذي يأكُلُني سيَحْيا بي". هذا يعني أن من يأكل جسد المسيح يحيا "منه"، أي بسببه، بفضل الحياة التي تأتي منه، ويعيش "من أجله"، أي لمجده ومحبته وملكوته؛ وبالتالي فكما يعيش يسوع من الآب ومن أجل الآب، هكذا من خلال تناولنا لسرِّ جسده ودمه نحيا نحن أيضًا بيسوع ومن أجل يسوع.
وأضاف الكاردينال رانييرو كانتالاميسا يقول قال فيلسوف ملحد: "الإنسان هو ما يأكل" (فويرباخ)، بمعنى أنه لا يوجد فرق نوعي في الإنسان بين المادة والروح، لكن كل شيء يتلخص في المكون العضوي والمادي. إنَّ ملحدًا، وبدون أن يعرف، أعطى أفضل صياغة للسر المسيحي، لأنّه بفضل الإفخارستيا، يصبح المسيحي حقًا ما يأكل ، كتب القديس لاوون الكبير: "إن مشاركتنا في جسد المسيح ودمه تجعلنا نصير ما نأكله". لذلك، في الإفخارستيا، لا توجد شركة بيننا وبين المسيح فحسب، بل هناك أيضًا اندماج؛ لأنَّ الشركة ليست مجرد اتحاد بين جسدين، وعقلين، وإرادتين، بل هي اندماج في جسد المسيح الواحد، وعقله وإرادته، وبالتالي "مَنِ اتَّحَدَ بِالرَّبّ فقَد صارَ وإِيَّاهُ رُوحًا واحِدًا" (١ كور ٦، ١٧). أودّ أن أُصرَّ على تشبيه آخر يمكنه أن يساعدنا في فهم طبيعة الشركة الإفخارستية كشركة بين أشخاص يعرفون ويريدون أن يكونوا في شركة. تقول الرسالة إلى أهل أفسس إن الزواج البشري هو رمز للاتحاد بين المسيح والكنيسة: "ولِذلِك يَترُكُ الرَّجُلُ أَباه وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه فيَصيرُ الاِثْنانِ جَسَدًا واحِدًا. إِنَّ هذا السِّرَّ لَعَظيم، وإِنِّي أَقولُ هذا في أَمرِ المسيحِ والكَنيسة". الآن - ومرة أخرى وفقًا للقديس بولس - النتيجة المباشرة للزواج هي أن جسد الزوج (أي الشخص بأكمله) يصبح جسد الزوجة، والعكس بالعكس، يصبح جسد الزوجة جسد الزوج. هذا يعني أن جسد الكلمة المتجسد غير القابل للفساد ومعطي الحياة يصبح "جسدي"، ولكن جسدي أيضًا، وإنسانيتي، يصبحان للمسيح. في الإفخارستيا، نحن ننال جسد المسيح ودمه، ولكن المسيح أيضًا "يقبل" جسدنا ودمنا! إنَّ يسوع يكتب القديس هيلاريون دي بواتييه، "يأخذ جسد من يأخذ جسده". وبالتالي يقول لنا المسيح: "خذ هذا هو جسدي"، ولكن يمكننا نحن أيضًا أن نقول له: "خذ هذا هو جسدي".
تابع واعظ القصر الرَّسوليّ يقول دعونا الآن نحاول فهم تبعات هذا الأمر. في حياته الأرضية، لم يعش يسوع جميع الخبرات البشرية الممكنة، أما الآن وبفضل الإفخارستيا هو يعيش جميع الخبرات. يعيش حالة الأنثى في المرأة، وفي المرضى حالة المرض، في المسنين حالة الشيخوخة، وفي اللاجئ هشاشته وضعفه ورعبه في القصف ... وبالتالي لم يعد هناك شيء في حياتي ليس للمسيح. فما عجز المسيح عن عيشه "بحسب الجسد"، يعيشه ويختبره الآن كقائم من بين الأموات "بحسب الروح"، وذلك بفضل الشركة الزوجية التي تتمُّ في القداس. لقد فهمت القديسة إليزابيث للثالوث الأقدس السبب العميق لذلك عندما كتبت إلى والدتها: "إنَّ العروس تنتمي للعريس. إنَّ عريسي قد أخذني، ويريدني أن أكون بشريّة إضافية له". إنها لتعزية كبيرة لنا أن نفكّر بأن بشريّتنا تصبح بشريّة المسيح! ولكنها أيضا مسؤولية كبيرة! إذا كانت عيناي قد أصبحتا عيني المسيح، وفمي فم المسيح، فلا يجب أن أسمح لنظري بالتوقف عند الصور الفاسقة، وللساني أن يتكلم ضد أخي، ولجسدي أن يُستخدم كأداة للخطيئة. "أَفآخُذُ أَعضاءَ المسيحِ وأَجعَلُ مِنها أَعضاءَ بَغِيّ؟ مَعاذَ الله!"، يكتب القديس بولس في رسالته إلى أهل كورنتس. إن هذا التبادل العجيب الذي تتحدث عنه الليتورجيا يتحقق عند المناولة، هناك لدينا الفرصة لنعطي يسوع ثيابنا القذرة ونأخذ منه "رداء البر" (أشعيا ٦١، ١٠)، كما هو مكتوب أنه بفضل الله صارَ لَنا يسوع حِكمَةً مِن لَدُنِ الله وبِرّاً وقَداسةً وفِداءً (راجع ١ كور ١، ٣٠). إنه اكتشاف قادر على أن يُعطي أجنحة لحياتنا الروحية. هذه هي جرأة الإيمان وعلينا أن نصلي إلى الله لكي لا يسمح لنا بالموت قبل أن نحققه.
وتابع الكاردينال رانييرو كانتالاميسا يقول إن التأمل حول الإفخارستيا هو كمن يرى أمامه آفاقًا أوسع تنفتح على بعضها البعض، بعبارة أخرى، من خلال الشركة مع المسيح، ندخل في شركة مع الثالوث الأقدس. في "صلاته الكهنوتية" يقول يسوع للآب: "لِيَكونوا واحِداً كما نَحنُ واحِد: أَنا فيهِم وأَنتَ فِيَّ". وبالتالي فما يقال عن الآب ينطبق أيضًا على الروح القدس. نجد في الإفخارستيا نسخة أسراريّة طبق الأصل لما حدث تاريخيًا في حياة المسيح على الأرض. في لحظة ولادته على الأرض، أعطى الروح القدس المسيح للعالم (مريم، في الواقع، حبلت به من الروح القدس!)؛ في لحظة الموت، أعطى المسيح الروح القدس للعالم: بموته "أسلم الروح". وبالطريقة عينها، في الإفخارستيا، في لحظة التقديس، يعطينا الروح القدس يسوع، لأنه من خلال عمله يتحول الخبز إلى جسد المسيح. وفي لحظة المناولة إذ يدخل المسيح إلينا ويعطينا الروح القدس.