دخلت الحرب الروسية الأوكرانية، مرحلة جديدة بعد قرابة شهر من بدء العملية العسكرية، حيث أطلقت الرصاصة الأولى فى 24 فبراير الماضى، وأعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، أن الهدف الأول من العملية هو تقليم أظافر الجيش الأوكرانى بنزع سلاحه واستهداف المنشآت العسكرية ومواجهة النازيين الجدد، فوق أراضى الدولة التى كانت قبل حوالى 30 عاما تعيش تحت مظلة الاتحاد السوفيتى.
وسيطر الجيش الروسى على المدن الأوكرانية واحدة تلو الأخرى، بالتزامن مع تواصل المفاوضات بين موسكو وكييف، للتوصل إلى اتفاق يرضى الجانبين، خاصة بعد تفاقم أزمة اللاجئين الذين ارتفع عددهم إلى أكثر من 3 ملايين لاجئ أوكرانى.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية، تطورات كبيرة ومتسارعة بدأت بالتهديد بالحرب النووية أو بحرب عالمية ثالثة، إلى جانب التصعيد الغربى الكبير ضد موسكو وفرض جملة من العقوبات غير المسبوقة فى التاريخ، وأصبحت روسيا هى أكثر دولة فى العالم تقع تحت مقصلة العقوبات، وغيرها من الأمور الكثيرة التى حاولت «البوابة نيوز» معرفتها من الخبيرة الروسية لانا بدفان، الباحثة فى العلاقات الدولية بمدرسة الاقتصاد العليا فى موسكو، وإلى نص الحوار..
■ هل هدف بوتين احتلال أوكرانيا بالكامل؟
- لم يكن الرئيس بوتين يرغب فى احتلال أوكرانيا، أو غيرها من المناطق، لكن كانت هناك أزمة دبلوماسية حادة، بدأت حينما لم تفِ أوكرانيا بالتزامتها فى اتفاقية «مينسك»، مما دعا الروس للبدء فى العملية العسكرية فبراير الماضى، كان أهم أسبابها هو دخول العديد من المقاتلين الأجانب، التابعين بشكل مباشر إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، لذلك حثت روسيا الأوكرانيين خلال ٨ سنوات على ضرورة بقاء كييف على الحياد، وعدم دخول أى من قوات الناتو إلى أراضيها، إلى جانب وجود عنصرية تجاه الناطقين باللغة الروسية خاصة فى مقاطعتى لوهانسك ودونستيك.
■ هل تأخر الحسم الروسى فى أوكرانيا؟
- لم يتأخر الحسم الروسى فى أوكرانيا، فهى بلد كبير ويحوى الكثير من المنشآت العسكرية والأسلحة الفتاكة ومعامل بيولوجية خطيرة، وحال كان هناك تحرك سريع للقوات الروسية خاصة فى الأماكن التى يوجد فيها مختبرات سيكون هناك أزمة خطيرة، لذلك الروس يدخلون بكل هدوء مع التواصل مع هيئة الطاقة الذرية الدولية، بشكل مستمر حيث تحتوى العديد من المدن الأوكرانية على مواد نووية وكيميائية وبيولوجية، لم يكن يعلم بها الطرف الروسى.
■ ماذا لو توسعت رقعة الحرب لتشمل إحدى دول الناتو؟
- لا أعتقد أن الحرب ستتوسع لتشمل إحدى دول الناتو، إلا فى حالة دخول إحدى دول الحلف بشكل مباشر فى النزاع الأوكرانى، خاصة أن روسيا تقصف كل الأسلحة التى تدخل من الحدود الأوكرانية، وفى حالة حدوث ذلك فستكون هناك عملية عسكرية كبيرة بين روسيا والدول الأوروبية.
■ ما النقطة التى يمكن القول عندها أن روسيا نجحت فى عمليتها العسكرية؟
الهدف الأول للعملية الروسية هو استهداف المنشآت العسكرية الأوكرانية، ونزع السلاح وهو أمر بدأ يتحقق مع انطلاق العملية العسكرية، وكانت هناك اعترافات من كييف بالخسائر الكبيرة التى تكبدتها، خاصة الطائرة التركية بدون طيار «بيراقدار» التى كانت تعول عليها أوكرانيا، وتمكن الجيش الروسى من إسقاط عدد كبير منها.
■ ما استراتيجية روسيا للخروج من أوكرانيا؟
-لا يوجد فى الوقت الحالى استراتيجية روسية واضحة للخروج من أوكرانيا، لكن موسكو أكدت أنها لن تخرج من أوكرانيا، إلا بعد إبرام اتفاق يلبى المتطلبات الأمنية الروسية، وهو أن تصبح أوكرانيا على الحياد، ولا تمتلك على أراضيها أى أسلحة فتاكة، مع اعترافها بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا، واستقلال لوهانسك ودونستيك.
■ كيف ستواجه روسيا العقوبات القاسية التى فرضها الغرب؟
- يمكن لروسيا الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها، عن طريق الاتجاه إلى الأسواق الآسيوية بمعزل عن الغرب لتعيد بناء اقتصادها، ولا يمكن أن نتوقع أثر العقوبات إلا على المدى البعيد.
■ تسعى الدول الغربية حاليا للاستغناء عن الغاز الروسى خلال السنوات المقبلة.. كيف ستتعامل روسيا مع ذلك الإجراء؟
- روسيا لن تتأثر باستغناء الغرب عن الغاز لأنها مصدر مضمون للغاز والنفط إلى أوروبا، وكانت الصين لوحت أنها ربما قد تكون مستهلكا بديلا للدول الأوروبية، وبالتالى روسيا لن تتأثر باستغناء الغرب عن الغاز، بقدر ما تتأثر الدول الأوروبية.
■ كيف تقرئين إلحاح الرئيس الأوكرانى زيلينسكى للقاء بوتين وفى الوقت نفسه يطالب الغرب بفرض مزيد من العقوبات ضد روسيا؟
- جاء إلحاح زيلينسكى للقاء بوتين، بعدما تأكد من هشاشة القوى التى ظن أنها يمكن أن تدعمه فى وجه روسيا، وقال إنه لا يريد الانضمام للناتو لأنهم يخشون مواجهة روسيا، وقد لاحظنا قبل شهرين من اندلاع الحرب أن الولايات المتحدة قالت للرئيس الأوكرانى لا تخش شيئا، فلن يقدر الروس على دخول أوكرانيا، وفى حالة حدوث هذا فستكون المواجهة بين موسكو وواشنطن، وهذا لم يحدث، فالولايات المتحدة لم تفرض حظرا جويا فوق الأراضى الأوكرانية.
■ هل الحرب الروسية ضد أوكرانيا بداية لاستعادة الجمهوريات السوفيتية السابقة خاصة بعد اعتراف بوتين باستقلال لوهانسك ودونستيك؟
- لا ترغب روسيا فى استعادة الجمهوريات السوفيتية السابقة، والهدف من الحرب فى أوكرانيا، هو حماية الروس فى لوهانسك ودونستيك من العنصرية الأوكرانية، خاصة أنهم يمنعون من دخول المدارس الأوكرانية أو الحصول على وظائف حكومية، وعانوا من الحرب خلال ٨ سنوات وقتل منهم ١٦ ألف شخص بينهم كثير من النساء والأطفال.
■ كيف تقيمين موقف الصين من الأزمة الروسية الأوكرانية؟
- الموقف الصينى من الحرب الروسية محايد تماما، ولكن ما يجرى حاليا هو محاولة أمريكية للهيمنة على الصين وبعض الدول لأخذ موقف ضد العملية العسكرية، وهذا غير دبلوماسى. فكيف لدولة أن تفرض قرارا على دولة أخرى لاتخاذ موقف ما، وبكين لم تدعم موسكو عسكريا، وإنما تجمعهما معاملات تجارية واقتصادية كبقية دول العالم، وتسعى واشنطن للتصعيد ضد بكين فى محاولة جرها للصراع، وهو ما لا ترغب فيه الصين.
■ أصدرت مجموعة السبع بيانا طالبت فيه مصر بضرورة إدانة الحرب الروسية ضد أوكرانيا.. كيف تلقيت مثل هذا البيان؟
- مصر دولة سلام ودوما هى ضد الحروب، ودعت إلى ضرورة الدخول فى مفاوضات وإنهاء المواجهة العسكرية، لذلك نلاحظ أن موقف القاهرة هو موقف صادق ويجنح للسلام من الدرجة الأولى، وتلقت القيادة الروسية والشارع الروسى الموقف المصرى بترحيب كبير خاصة أن العلاقات بين القاهرة وموسكو متينة وتاريخية، ولم تقدم مصر من قبل على فرض أى عقوبات على أى دولة أخرى حيث تعمل دوما على الجمع بين الأطراف واللجوء إلى الحوار.
■ هل الحرب الروسية يمكن أن تشكل نظاما عالميا جديدا؟
- لا يمكن أن نتنبأ بمستقبل العلاقات الدولية فى الوقت الحالى، خاصة بعد التأزم الكبير بعد فرض الدول الغربية عقوبات على روسيا قابلتها موسكو بعقوبات أيضا، وعلى الرغم من استمرار التواصل بين باريس وموسكو وغيرها من الدول الأخرى، ولكن يمكن القول إن العلاقات لم تكن كسابق عهدها.
■ متى يمكن أن نطلق على العملية العسكرية فى أوكرانيا أنها حرب عالمية ثالثة؟
- الحرب العالمية الأولى والثانية بدأت من أوروبا، ومن غير المستبعد أن تبدأ الحرب العالمية الثالثة من نفس المكان، وستبدأ فى حالة تدخل حلف الناتو بشكل مباشر فى الحرب الأوكرانية، سيكون هناك رد روسى قوى.
■ من هم النازيون الجدد ولماذا أطلق الرئيس بوتين عليهم هذا المصطلح؟
- النازيون الجدد هم من ينكرون التاريخ والأصول ويدعون أنهم حلفاء هتلر، وكان الاتحاد السوفيتى حقق انتصارا على ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، لذلك هناك فصيل كبير يدعى «النازية» يهدد بشكل كبير أمن روسيا.
■ كيف ينظر الداخل الروسى للعملية العسكرية خاصة أنها بدأت تؤثر على المواطنين؟
- فى البداية كان لا يرى الشعب الروسى أى ضرورة للحرب، ولكن حينما بدأ الغرب فى فرض العقوبات القاسية بدلا من اللجوء للتهدئة، طالت كل القطاعات فى روسيا، لذا أصبح هناك توحد من كل الأطياف خلف القيادة الروسية فى حربها.
■ جرى الحديث فى الأسبوع الأول من الحرب عن الدخول فى مواجهة نووية.. هل هذا أمر ممكن أم شئ مستحيل؟
- بالنسبة للمواجهة النووية، هو يعتبر الخيار الأخير وعلى الرغم من استبعاده إلا أنه ليس مستحيلا، خاصة أنه فى حالة نجاح المفاوضات الجارية بين موسكو وكييف، وبحال تدخل الناتو ليس مستبعدا حدوث المواجهة النووية، التى كان الرئيس الأمريكى جو بايدن هو أول من لوح بها حينما قال إن على موسكو أن تعلم أن خيارات واشنطن اثنان إما العقوبات أو الحرب النووية، وهو لم يضع أى خيار ثالث سواء بالمفاوضات أو الحوار.