أجرى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول "في الكتاب المقدس، تسبق قصة موت موسى الشيخ وصيته الروحية التي تُدعى "نشيد موسى". هذا النشيد هو قبل كل شيء اعتراف جميل بالإيمان: "لأني باسم الرب أدعو. أدوا تعظيمًا لإلهنا. هو الصخر الكامل صنيعه لأن جميع سبله حق. الله أمين لا ظلم فيه هو بار مستقيم". لكنها أيضًا ذكرى القصة التي عاشها مع الله، ومغامرات الشعب الذين تكوّن انطلاقًا من الإيمان بإله إبراهيم وإسحق ويعقوب. ولذلك يتذكر موسى أيضًا مرارة الله وخيباته: أمانته التي كانت تمتحنها باستمرار خيانات شعبه".
وقال البابا فرنسيس، حسب ما نشرته الصفحة الرسمية للفاتيكان منذ قليل، "عندما أدلى موسى باعتراف الإيمان هذا كان على أعتاب أرض الميعاد وأيضاً على مشارف وداع الحياة. وتشير الرواية إلى أنه كان يبلغ من العمر مائة وعشرين عامًا، ولكن "لم يكل بصره ولم تذهب نضرته". إن حيوية نظرته هي عطيّة ثمينة: فهي تسمح له بأن ينقل إرث خبرته الطويلة في الحياة والإيمان بالوضوح اللازم".
وأضاف البابا فرنسيس “إن الشيخوخة التي يُعطى لها هذا الوضوح هي عطيّة ثمينة للجيل الذي سيتبع. إنَّ الإصغاء الشخصي والمباشر لقصة إيمان معاش، بكل تقلباته، هو أمر لا يمكن الاستغناء عنه. وبالتالي فإن قراءتها في الكتب، أو مشاهدتها في الأفلام، أو الاطلاع عليها على الإنترنت، مهما كانت مفيدة، لن يكون الأمر عينه أبدًا. هذا النقل - الذي هو التقليد الحقيقي! – تفتقده اليوم كثيرًا الأجيال الجديدة. إنَّ الرواية المباشرة، من شخص لآخر، تتحلّى بنغمات وأساليب تواصل لا يمكن لأي وسيلة أخرى أن تحل محلها. والمُسنّ الذي عاش طويلا، ونال عطيّة شهادة واضحة وعاطفية لتاريخه، هو بركة لا يمكن تعويضها. فهل نحن قادرون على التعرف على هذه الهبة وتكريمها؟ هل يتبع نقل الإيمان - ومعنى الحياة - هذا الدرب اليوم؟”.
تابع البابا فرنسيس يقول:" في ثقافتنا، "الصحيحة سياسيًا"، يبدو أن هذا المسار تتمُّ إعاقته بأساليب عديدة: في العائلة، في المجتمع، وفي الجماعة المسيحيّة عينها؛ وهناك من يقترح إلغاء تدريس التاريخ، باعتباره معلومات زائدة عن عوالم لم تعد آنيّة، تسلب الموارد من معرفة الحاضر. من ناحية أخرى، غالبًا ما يفتقر نقل الإيمان إلى شغف "تاريخ مُعاش". وعندها يصبح من الصعب عليه أن يجذب الأشخاص لكي يختاروا الحب إلى الأبد، والأمانة للوعد الذي قطعوه، والمثابرة في التفاني، والشفقة للوجوه الجريحة والكئيبة. بالطبع، يجب تحويل قصص الحياة إلى شهادة، وعلى الشهادة أن تكون صادقة. من المؤكد أن الأيديولوجية التي تُخضع التاريخ لأنماطها الخاصة ليست صادقة، كذلك ليست صادقة أيضًا الدعاية، التي تكيف التاريخ مع الترويج لمجموعة خاصة؛ ليس صادقًا تحويل التاريخ إلى محكمة يُدان فيها الماضي بأسره وتُثبَطُ عزيمة كل مستقبل".
وأستطرد البابا فرنسيس ، تروي الأناجيل بصدق قصة يسوع المباركة دون أن تخفي أخطاء التلاميذ وسوء فهمهم وحتى خياناتهم. هذه هي الشهادة. هذه هي عطيّة الذكرى التي ينقلها المسنون في الكنيسة، منذ البداية، ويمررونها "من يد إلى يد" إلى الجيل التالي. وبالتالي من الجيد أن نسأل أنفسنا: ما مدى تقديرنا لهذا الأسلوب في نقل الإيمان، من خلال تمرير الشهادة بين مُسنّي الجماعة والشباب الذين ينفتحون على المستقبل؟
وأردف البابا فرنسيس : أحيانًا، أفكر في هذا الشواذ الغريب. إنَّ التعليم المسيحي للتنشئة المسيحية يستقي اليوم بسخاء من كلمة الله وينقل معلومات دقيقة حول العقائد وأخلاق الإيمان والأسرار. ولكن، غالبًا ما يكون هناك نقص في معرفة الكنيسة التي تولد من الاصغاء ومن شهادة تاريخ الإيمان الحقيقي وحياة الجماعة الكنسية، منذ البداية وحتى يومنا هذا. كأطفال نتعلم كلمة الله في فصول التعليم المسيحي، ولكننا نتعلّم الكنيسة كشباب، في الفصول الدراسية وفي وسائل الإعلام العالمية.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول على سرد تاريخ الإيمان أن يكون مثل نشيد موسى، كشهادة الأناجيل وأعمال الرسل. أي قصة قادرة على تذكّر بركات الله ونواقصنا بأمانة. سيكون من الرائع لو كان هناك، منذ البداية، في مسارات التعليم المسيحي، أيضًا عادة الاصغاء إلى الخبرة التي عاشها المسنون والاعتراف الواضح بالبركات التي نلناها من الله، والتي علينا أن نحافظ عليها، والشهادة الصادقة للنقص في الأمانة من قبلنا الذي علينا أن نصلحه ونصححه. يدخل المسنون أرض الميعاد التي يريدها الله لكل جيل، عندما يقدمون للشباب التنشئة الجميلة لشهادتهم. وعندها إذ يقودهم الرب يسوع، يدخل المسنون والشباب معًا إلى ملكوته ملكوت الحياة والحب.